وقد كان اختيار النحاة العرب المصطلح «فعل» لهذا الجزء من الجملة اختيارا موفقا، وهو لا شك اختيار مستوحى من معناه ووظيفته فى اللغة، فهو - كما أشرت - مصدر الفعل والنشاط والحياة فى التعبير.
وشبيه بهذا التوفيق فى اختيار مصطلح ذى إيحاء لمعنى هذا اللفظ النحوى، أى «الفعل»، المصطلح الذى تستعمله له اللغات الأوربية جميعها، وهو لفظ (Verp) و (Verpe) المستعار من اللفظ اللاتينى (Verpuw)، ومعناه «الكلمة». كأن وظيفة «الفعل» فى الجملة هى «الكلمة المعبرة»، هى اللفظة المؤدية لأهم معنى فى الجملة.
وهنا أشعر بميل للمجازفة بهذه الدعوى: وهى أن الجملة الاسمية التى يقتصر عليها التعبير فى اللغات الهندية
الأوربية (فليس فى هذه اللغات ما يقابل الجملة الفعلية فى اللغات السامية) ليست فى جوهرها وأدائها إلا جملة فعلية ذات ترتيب خاص فى وضع ألفاظها، بحيث لا يبدأ فيها بالفعل، ولكنها لا تستغنى أبدا عن الفعل فى مناط الإسناد، حتى فى أبسط صورها، عند ما يكون مناط الإسناد هو مجرد فعل الكينونة، أو ما يسمى فى اصطلاحنا النحوى «الكون العام».
ونظرا لأهمية هذا الجزء من التركيب اللغوى، أى الجملة، وهو «الفعل»، قد اهتم به علماء اللغة والنحو فى جميع اللغات، حصرا وتوضيحا، وجدولة، وتأليفا.
ولكل لغة مواضع اهتمامها بضبط «الأفعال» فيها، من حيث اشتقاقها، وتصريفاتها، وما هو مطرد منها على نسق واحد (وهو قليل فى معظم اللغات)، وما هو غير مطرد على قياس، بل يختلف اختلافا قليلا أو كثيرا عن القياس، وما هو شاذ شذوذا كاملا.
وطلاب اللغات، من أهلها ومن غيرهم، يجدون أن أهم صعوبة تواجههم هى إتقان صيغ الأفعال وتصريفاتها. وحسبى أن أشير - تمثيلا لا حصرا - إلى الجداول