للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدلة أصحاب القول الثالث:

استدل القائلون بأنه يرتفع الجميع بوضوءٍ واحد، لكن إن نوى ألا يرتفع غيره فلا يرتفع إلا ما نواه.

الدليل الأول: عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) (١).

وجه الدلالة:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أن ليس للمرء إلا ما نواه فقط، فإذا كان عليه أحداث متنوعة ونوى أحدها بالوضوء، فلا يرتفع إلا الذي نواه، لأنه لم ينوه أشبه إذا لم ينو شيئاً (٢).

ونوقش:

بأن من نوى رفع أحد الأحداث ارتفع جميعها تبعاً لتداخلها، ذلك لأن الحدث وصف واحد لا يتجزأ، فيدخل في ذلك كل حدث.

الدليل الثاني: استدلوا بالقياس، فقالوا: لو تطهر ولم ينو شيئاً فلا يرتفع حدثه فكذا هنا لا يرتفع إلا ما نواه فقط دون غيره لأنه لم ينوه (٣).

ونوقش:

بأنه قياس مع الفارق، لأنه إذا لم ينو شيئاً لم يرتفع حدثه، لأن النية شرط في الطهارة، بخلاف الصورة هنا، فالنية موجودة، لكنه نوى أحد الأحداث فيرتفع الباقي بالتداخل لأن الحدث وصف كما تقدم.

الترجيح:

بالنظر في الأقوال وأدلتها، يظهر لي والله أعلم رجحان القول الثالث القاضي بارتفاع الحدث عن الجميع مطلقاً، لكن إن نوى ألا يرتفع إلا هذا الحدث فلا يرتفع إلا ما نواه، لقوة تأثير النية في العمل ولصراحة قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) (٤) والله أعلم.


(١) أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي ح/١ مع الفتح (١/ ١٥)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله - صلى الله عليه وسلم - إنما الأعمال بالنية ح/١٥٥، صحيح مسلم (ص ١٠٥٦).
(٢) انظر: الشرح الكبير على المقنع (١/ ١٢٣).
(٣) انظر: المبدع (١/ ١١٩).
(٤) تقدم تخرجه قريباً.

<<  <   >  >>