الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الله - عز وجل - أرسل رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق، وجعل دينه آخر الأديان السماوية، وشريعته آخر الشرائع المنزلة، وكان الأنبياء -عليهم السلام- يبعثون إلى أقوامهم خاصة، وبُعث محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس عامة، ومن هنا كانت شريعته أتم الشرائع وأشملها، وأبهاها وأحسنها.
ولاشك أن من علماء الأمة من ورث من مشكاة النبوة حتى فتح الله عليهم بالعلم والقبول، فحفظ الله بهم علم من سلف، ويهدي بهم من اهتدى من الخلف، وجعل لفتواه واختياره موطن ثقة وقبول، عند أهل العلم خاصة، وعند الناس عامة، وإذا كان ذلك كذلك فإن الأمة تتحمل تبعة حفظ علمه، والانتفاع به ونشره.
وإن من هؤلاء الأعلام القاضي الإمام أبي يعلى الفراء ت ٤٥٨ هـ-رحمه الله تعالى- وفي أثناء بحثي عن موضوع يستحق أن يكون جديراً بالبحث، لنيل درجة الماجستير استرعى اهتمامي كثرة المسائل التي اختارها القاضي أبو يعلى في كتابه الروايتين والوجهين، وترجيحاته بين روايات الإمام أحمد رحمه الله، وكثرة الناقلين لاختياراته وترجيحاته من الأصحاب، من أجل ذلك أردت أن أسهم بجهدي المتواضع مع بقية الزملاء الفضلاء في الكلية -طلبة الدراسات العليا- في مشروع يجمع من خلاله فقه هذا الإمام؛ لتفرقها ولكثرتها في كتب الأصحاب كالمغني والفروع والإنصاف والشرح الكبير وشرح الزركشي وغيرها من كتب الحنابلة، مما يصعب معه التعرف على اختيار القاضي أبي يعلى -رحمه الله -في المسألة، مع العلم أن هذه الاختيارات لم تلق حظها من الإبراز والدراسة الفقهية المقارنة، فوافقت الجامعة مشكورة ممثلة بقسم الفقه في الكلية على هذا المقترح.
وبناء على ما سبق؛ فقد صح العزم، على اختيار موضوع "اختيارات القاضي أبي يعلى الحنبلي الفقهية من أول كتاب الطهارة إلى آخر باب التيمم- جمعاً ودراسةً-"؛ليكون أطروحتي لاستكمال متطلبات درجة الماجستير، والله المستعان، وعليه التكلان.