للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدلة أصحاب القول الثاني:

استدلوا بدليل واحد وهو:

القياس على الخفين، فكما يشترط لبس الخفين على طهارة لجواز المسح عليها، فكذلك يشترط تقدم الطهارة قبل شد الجبيرة، لأنه مسح على حائل أشبه الخف (١).

نوقش:

هذا الدليل بأنه قياس مع الفارق فلا يصح، لأن الفرق بين الخف والجبيرة ثابت من وجهين:

أحدهما: أن الكسر يقع فجأة، فيبادر إلى شد الجبيرة عليه للضرورة، ففي اشتراط شدها على طهارة حرج عظيم، وتلحقه مشقة كبيرة في نزعها، وربما تعذرت الطهارة بأن يجري دم ينقض الطهارة، ولا يمكن إعادتها إلا بغسل المحل وهو متعذر فيضطر إلى شدها على الحدث، فإما أن يؤمر بالتيمم فقط، فالمسح خير من التيمم، أو بهما وهو خلاف الأصول، فيتعين المسح (٢).

الوجه الثاني: أن الجبيرة كالأعضاء، وتجري مجرى جلدة انكشطت ثم أعيدت، بدليل أنها تمسح في الطهارة الكبرى، وأنه لا توقيت في مسحها بخلاف الخف (٣).

الترجيح:

الراجح -والله أعلم- هو القول الأول، وأنه لا يشترط –لجواز المسح على الجبيرة- تقدم الطهارة، لقوة أدلة هذا القول، وضعف دليل أصحاب القول الثاني، حيث بطل قياسهم الذي هو عمدتهم في ما ذهبوا إليه (٤)، وذكر شيخ الإسلام فساده من عدة وجوه (٥)، وأنه قد صح ذلك عن ابن عمر - رضي الله عنه - (٦)، ولا يعرف عن صحابي ولا تابعي خلافه (٧) أ. هـ.

وقال البيهقي (٨): (لا يثبت على النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء، وإنما فيه قول الفقهاء من التابعين فمن بعدهم مع ما روينا عن ابن عمر في المسح على العصابة) (٩).


(١) انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (١/ ٩٤). المغني (١/ ٣٥٦)، مجموع الفتاوى (٢١/ ١٧٩)، كشاف القناع (١/ ١١٤).
(٢) انظر: شرح العمدة (١/ ٢٨٨)، مجموع الفتاوى (٢١/ ١٧٩).
(٣) انظر: شرح العمدة (١/ ٢٨٨)، مجموع الفتاوى (٢١/ ١٧٩).
(٤) كما تقدم.
(٥) انظر: مجموع الفتاوي (٢١/ ١٧٩).
(٦) انظر: شرح العمدة (١/ ٢٨٥).
(٧) انظر: المصدر السابق.
(٨) والبيهقي هو: أحمد بن حسين بن علي البيهقي، ولد سنة ٣٨٤ هـ، جمع بين علم الحديث والفقه، وبيان علل الحديث، ووجه الجمع بين الأحاديث، قال إمام الحرمين الجويني: ما من فقيه شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا أبا بكر البيهقي، فإن المنة له على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه اهـ، ومن تصانيفه: "السنن الكبير" و"الصغير" و"الآداب" و"الخلافيات"، توفي سنة ٤٥٨ هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى ٤/ ٨. سير أعلام النبلاء ١٨/ ١٦٣.
(٩) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (١/ ٢٢٨) بتصرف واختصار يسير.

<<  <   >  >>