للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الترجيح:

الراجح -والله أعلم- هو القول الأخير فلا ينقض إلا النوم الطويل المستثقل الذي لا شعور معه ولا إحساس، لما يأتي:

١ - أنه القول الذي تجتمع به الأدلة كلها، والأخذ بالأدلة كلها أولى من ترك بعضها.

٢ - أنه لا يمكن الجمع بين الأدلة إلا بالتفريق بين النوم الخفيف والثقيل فالنوم ليس بناقض، وإنما الناقض الحدث، فإذا نام النوم المعتاد كنوم الليل والقيلولة فإنه يكون نومه ثقيلاً لا يحس بخروج الريح منه، فلما كانت الحكمة خفية لا نعلم بها قام دليلها مقامها (١).

٣ - أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا ينامون في المسجد وهم ينتظرون الصلاة ولم يستفصل النبي - صلى الله عليه وسلم - أحداً منهم عن كيفية نومه فلم يقل: هل رأيتم رؤيا؟ أو هل مكن أحدكم مقعدته من الأرض؟ أو هل كان مستنداً أو متكئاً؟ أو سقط شيء من أعضائه على الأرض؟ فلو كان الحكم يختلف لسألهم عن ذلك (٢)، مما يدل على أن مجرد النوم لا ينقض بأي حال من الأحوال حتى ولو كان مضطجعاً مالم يفقد معه الإنسان شعوره فيستغرق فيه ولا يحس بشيء فحينئذ ينتقض لأنه مظنة خروج الحدث، وقد صح عن أنس: (أن أصحاب رسول الله ^ كانوا يضعون جنوبهم فمنهم من يتوضأ ومنهم من لا يتوضأ) (٣)، وهذا محمول على أن من توضأ هو الذي نام نوماً ثقيلاً لا شعور معه، ومن لم يتوضأ فلأنه لم يفقد شعوره بنومه لكونه خفيفاً.


(١) انظر: مجموع الفتاوي (٢١/ ٣٩٤).
(٢) انظر: المصدر السابق (٢١/ ٣٩٣).
(٣) رواه البراز -كما في كشف الأستار- (١/ ١٤٧) برقم ٢٨٢, وقال الحافظ في فتح الباري (١/ ٣١٥): إسناده صحيح, وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (١/ ٢٤٨): رجاله رجال الصحيح.

<<  <   >  >>