في أواخر ديسمبر ١٩٥١، أتاحت لي الظروف الطيبة أن أزور اليمن السعيدة، في بعثة (١) علمية لدراسة ما فيها من المخطوطات، وتصوير نوادرها ونفائسها، وقد تهيأت لي بذلك الفرصة لأ اعرف عن كتب ذلك التراث القيم، من المخطوطات الإسلامية، التي يحتفظ بها ذلك القطر ذو الحضارات العريقة، والذي أخرج من العلماء في كل عصر، من غذوا المكتبة الإسلامية بالمصنفات والتآليف في شتى العلوم والفنون.
وقد كان من نتائج هذه الرحلة، أن شغفت بالدراسات اليمنية، وبخاصة ما يتعلق بكتب الطبقات والتراجم، فهي في نظري السجل الحافل للتأريخ والأخبار، فضلاً عن أنها تقدم للباحثين في كل العصور ثبتاً حافلاً بمصنفات هؤلاء العلماء وآثارهم ودراساتهم.
وكان من خير كتب الطبقات التي استرعت انتباهي «طبقات فقهاء اليمن» لابن سمرة الجَعْدي، الذي يعد من أقدم المصنفات اليمنية في هذا الموضوع، فقد استوعب فيه صاحبه تراجم الفقهاء اليمنيين منذ ظهور الإسلام حتى سنة ٥٨٦ هـ تقريباً، وكان مرجع من بعده من المؤلفين في كتب الطبقات والتراجم.
وفي الوقت الذي نازعتني نفسي فيه، أن أقوم على تحقيق هذا الكتاب ونشره سعدت في مصر سنة ١٩٥٦ بلقاء معالي الصديق العلامة القاضي محمد بن عبد الله العمري نائب وزير الخارجية اليمنية، وتنقل بنا الحديث في نواحي كثيرة من العلم إلى أن ذكرت له اهتمامي بهذا الكتاب، وعنايتي بتحقيقه ونشره.
(١) راجع تقرير الدكتور خليل يحي نامي رئيس هذه البعثة -طبع سنة ١٩٥٢.