كتاب نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم

السيرة النبوية العطرة - غزوة أحد: - ج: 1 - ص: 301

تجارتهم التي تمكن أبو سفيان من الإفلات بها قبيل معركة بدر مع أرباحها لتجهيز جيش الثأر «١» ، وجمعت ثلاثة آلاف مقاتل من أبنائها وحلفائها من كنانة وأهل تهامة «٢» ، بينهم مائتا فارس وسبعمائة دارع «٣» ، وجعلت على قيادة الميمنة خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل «٤» ، وصاحب الجيش عدد من نساء قريش لغرض إثارة الحماس ومنع المقاتلين من التفكير بالفرار خشية العار «٥» . بلغت أنباء تقدم قوات قريش إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم «٦» ، فشاور أصحابه في الموضع الذي يرونه لمواجهة جيش المشركين «٧» ، وحيث إن المدينة كانت قد شبكت بالبنيان فهي كالحصن «٨» . فقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يرى البقاء والتحصّن فيها، وقال: «إنّا في جنّة حصينة» «٩» ، وقد أبدى بعض أصحابه من الأنصار كراهة القتال في طرق المدينة وقالوا: «وقد كنا نمتنع من الغزو في الجاهلية، فبالإسلام أحق أن نمتنع منه، فابرز إلى القوم» «١٠» . انطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلبس لامته. وتلاوم القوم وقالوا: «عرض نبي الله صلّى الله عليه وسلّم بأمر وعرّضتم بغيره، فاذهب يا حمزة فقل لنبي الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرنا لأمرك تبع» . فأتى حمزة فقال له: «يا رسول الله إن القوم قد تلاوموا فقالوا: أمرنا لأمرك تبع» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه ليس لنبيّ إذا لبس لامته أن يضعها حتّى يناجز» «١١» .

لبس النبي صلّى الله عليه وسلّم درعين، رغم علمه بأن الله تعالى يعصمه من القتل تعويدا للأمة على الأخذ بالأسباب المادية ثم التوكل على الله «١٢» . وعقد صلّى الله عليه وسلّم راية سوداء وثلاثة ألوية أحدها للمهاجرين والثاني للأوس من الأنصار والثالث للخزرج منهم «١٣» . وانتظمت قوات المسلمين التي قدرت بألف مقاتل بما فيهم المنافقون المتظاهرون بالإسلام ومعهم فرسان فقط ومائة دارع تحت قيادة النبي صلّى الله عليه وسلّم وتحركت تاركة المدينة من الجانب الغربي من الحرة

---

(١) ابن هشام- السيرة ٣/ ١، الواقدي- المغازي ١/ ٢٠٠، ابن إسحاق- السيرة ص/ ٣٢٢.
(٢) ابن هشام- السيرة ٣/ ٨٤، الواقدي- مغازي ١/ ١٠١.
(٣) ابن هشام- السيرة ٣/ ٨٧، الطبري- تاريخ ٣/ ٥٠٢ من رواية الواقدي.
(٤) ابن هشام- السيرة ٣/ ٨- ١٢، الطبري- تاريخ ٣/ ٥٠٤.
(٥) ابن هشام- السيرة ٣/ ٨٧ برواية ابن إسحاق دون إسناد، الطبري- تاريخ ٣/ ٥٠٤، الواقدي- مغازي ١/ ٢٠١، ابن سعد- الطبقات ٢/ ٣٧.
(٦) عن رؤيا النبي صلّى الله عليه وسلّم وتفسيرها انظر: البخاري- الصحيح [فتح الباري (حديث ٣٦٢٢) ] ، مسلم- الصحيح ٤/ ١٧٧٩- ١٧٨٠ (حديث ٢٢٧٢) ، أحمد- الفتح الرباني ٢١/ ٥٠، ابن سعد- الطبقات ٢/ ٢٤٥.
(٧) الطبري- التفسير ٧/ ٢٧٢، التاريخ ٣/ ١١.
(٨) الصنعاني- المصنف ٥/ ٣٦٣.
(٩) أحمد- المسند ٣/ ٣٥١، الفتح الرباني ٢١/ ٥١- ٥٢، الطبري- تفسير ٧/ ٣٧٢ بإسناد حسن إلى قتادة، وقد جاء بطرق عديدة وبمجموع الطرق يصح الحديث، وانظر: البيهقي- دلائل النبوة ٣/ ٢٠٤، ٣٠٨، الصنعاني- المصنف ٥/ ٣٦٤- ٦٥، الحاكم- المستدرك ٢/ ١٢٨- ١٢٩، ٢٩٦- ٩٧، ابن سعد- الطبقات ٢/ ٣٨.
(١٠) الطبري- تفسير ٧/ ٣٧٢.
(١١) انظر الهامش (٤) أعلاه.
(١٢) الحاكم- المستدرك ٣/ ٢٥.
(١٣) خليفة بن خياط- تاريخ ص/ ٦٧، الواقدي- المغازي ١/ ٣٣، ابن عبد البر- الاستيعاب ٣/ ٥٤٠، وحمل مصعب بن عمير لواء المهاجرين، وأسيد بن حضير لواء الأوس، والحباب بن المنذر لواء الخزرج.