للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واتهموه بالإتيان بالأساطير. قال تعالى: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا «١» .

واتهموا المؤمنين بالضلالة.. وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ «٢» .

أذى المشركين للرسول صلّى الله عليه وسلّم:

واجهت قريش الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالسخرية والاستهزاء والضحك والغمز واللمز والتعالي عليه صلّى الله عليه وسلّم وعلى المؤمنين.

يقول الله تعالى عن سخريتهم من الذين آمنوا: وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ «٣» وروى البخاري «٤» أن امرأة قالت للرسول صلّى الله عليه وسلّم ساخرة مستهزئة: «إنّي لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثا!» فأنزل الله تعالى: وَالضُّحى * وَاللَّيْلِ إِذا سَجى * ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى «٥» .

وروى البخاري «٦» أن أبا جهل قال مستهزئا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ» . فنزلت: وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ* وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ «٧» .

وقال الله تعالى عن ضحكهم وغمزهم: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ* وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ* وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ «٨» .

ومن منطلق الاستعلاء والسخرية، قال المشركون للنبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا نرضى بمجالسة أمثال هؤلاء- يعنون صهيبا وبلالا وخبّابا- فاطردهم عنك» . فهمّ النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك طمعا في إسلامهم وإسلام قومهم، فأنزل الله تعالى وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ

«٩» .

ومر الرسول صلّى الله عليه وسلّم يوما بجماعة من زعماء قريش فهمزوه واستهزؤوا به، فغاظه ذلك، فأنزل الله- عز وجل-


(١) القرآن الكريم- سورة الفرقان، الآية/ ٥. قال المفسرون: إن الذي قال هذا هو النضر بن الحارث. انظر: زاد المسير (٦/ ٦٣) .
(٢) القرآن الكريم- سورة المطففين، الآية/ ٣٢.
(٣) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ ٥٣.
(٤) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٨/ ٥٨٠) . وقد وردت أقوال أخرى في سبب نزول هذه الآيات، منها المقبول ومنها المردود، انظر ابن حجر: الفتح (٨/ ٥٨١) .
(٥) القرآن الكريم- سورة الضحى، الآيات/ ١- ٣، ونص البخاري: «اشتكى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يقم ليلتين أو ثلاثا، فجاءت امرأة فقالت: يا محمد إني لأرجو ... » الحديث.
(٦) فتح الباري (١٧/ ١٨٥/ ح ٤٦٤٨) .
(٧) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآيات/ ٣٢- ٣٤.
(٨) القرآن الكريم- سورة المطففين، الآيات/ ٢٩- ٣١.
(٩) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ ٥٢. وانظر سبب نزولها في تفسير الطبري (١١/ ٣٧٤- ٣٨٨) وقد جمع الطبري الآثار الواردة في ذلك، وخرجها وحققها الشيخ شاكر. وما أثبتنا معناه هنا في المتن هو مضمون الأثر رقم (١٣٢٥٨) بإسناد صحيح. وقد روى مسلم والنسائي بعضه من حديث سعد بن أبي وقاص.