للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أمثلة ذلك ما جاء في القرآن الكريم عن أمّ موسى فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي (القصص/ ٧) قال: فإنّ فعلها هذا هو عين ثقتها بالله تعالى، إذ لولا كمال ثقتها بربّها لما ألقت بولدها في تيّار الماء، قال ابن القيّم: والمراد أنّ الثّقة خلاصة التّوكّل ولبّه، كما أنّ سواد العين أشرف ما فيها، أمّا العلاقة بين الثّقة والتّفويض فتتلخّص في أنّ الثّقة هي الّتي يدور عليها التّفويض، قال: وكثير من النّاس يفسّر التّوكّل بالثّقة «١» . ومنهم من يفسّره بالتّفويض، ومنهم من يفسّره بالتّسليم ومقام التّوكّل يشمل ذلك كلّه» .

قلت: وممّا يدلّ على صحّة ما قال ابن القيّم من شمول معنى التّوكّل لكلّ من التّفويض والثّقة ما ذكره الإمام الغزاليّ في تعريف التّوكّل حيث قال: التّوكّل مشتقّ من الوكالة، يقال: وكل أمره إلى فلان: أي فوّضه إليه واعتمد عليه فيه، ويسمّى المفوّض إليه: متّكلا عليه ومتوكّلا عليه متى اطمأنّت إليه نفسه ووثق به، ولم يتّهمه فيه بتقصير، ولم يعتقد فيه عجزا أو قصورا، وهو (التّوكّل) عبارة عن اعتماد القلب على الوكيل وحده «٣» .

[مواطن التوكل:]

إنّ التّوكّل على الله عزّ وجلّ مطلوب في كلّ شئون الحياة، بيد أنّ هناك مواطن كثيرة ورد فيها الحضّ على التّوكّل والأمر به للمصطفى صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين، وقد ذكر الفيروز آباديّ من ذلك:

١- إن طلبتم النّصر والفرج فتوكّلوا عليه: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (آل عمران/ ١٦٠) .

٢- إذا أعرضت عن أعدائك فليكن رفيقك التّوكّل: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (النساء/ ٨١) .

٣- إذا أعرض عنك الخلق فاعتمد على التّوكّل:

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ (التوبة/ ١٢٩) .

٤- إذا تلي القرآن عليك أو تلوته فاستند على التّوكّل: وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (الأنفال/ ٢ مدنية) .

٥- إذا طلبت الصّلح والإصلاح بين قوم لا تتوسّل إلى ذلك إلّا بالتّوكّل: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ (الأنفال/ ٦١) .

٦- إذا وصلت قوافل القضاء فاستقبلها بالتّوكّل:

قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (التوبة/ ٥١) .

٧- إذا نصبت الأعداء حبالات المكر فادخل أنت في أرض التّوكّل: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي


(١) انظر مثلا تعريف الجرجاني للتوكّل الذي ذكرناه آنفا.
(٢) المرجع السابق، ص ١٤٩، ١٥٠.
(٣) إحياء علوم الدين ٢/ ٢٥٩.