للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الحيطة)

٨-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنّها قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سهر فلمّا قدم المدينة قال: «ليت رجلا من أصحابي صالحا يحرسني اللّيلة» . إذ سمعنا صوت سلاح، فقال: «من هذا؟» فقال: أنا سعد بن أبي وقّاص جئت لأحرسك. فنام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «١» .

٩-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: لم أعقل أبويّ قطّ إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار: بكرة وعشيّة، ... الحديث وفيه: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للمسلمين: «إنّي أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين، وهما الحرّتان» فهاجر من هاجر قبل المدينة، ورجع عامّة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة وتجهّز أبو بكر قبل المدينة، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على رسلك، فإنّي أرجو أن يؤذن لي» فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟. قال: «نعم» . فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السّمر ... قالت عائشة: فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظّهيرة. قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متقنّعا- في ساعة لم يكن يأتينا فيها- فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمّي، والله ما جاء به في هذه السّاعة إلّا أمر. قالت: فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستأذن، فأذن له، فدخل فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر: «أخرج من عندك» ، فقال أبو بكر:

إنّما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، قال: «فإنّي قد أذن لي في الخروج» ، فقال أبو بكر: الصّحبة «٢» بأبي أنت يا رسول الله، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «نعم» . قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتيّ هاتين قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بالثّمن» قالت عائشة:

فجهّزناهما أحثّ الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سمّيت ذات النّطاق.

قالت: ثمّ لحق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر بغار في جبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شابّ ثقف لقن، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكّة كبائت، فلا يسمع أمرا يكتادان به إلّا وعاه حتّى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظّلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل- وهو لبن منحتهما ورضيفهما- حتّى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك كلّ ليلة من تلك اللّيالي الثّلاث واستأجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر رجلا من بني الدّيل، وهو من بني عبد بن عديّ- هاديا خرّيتا- والخرّيت الماهر بالهداية- قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل


(١) البخاري- الفتح ٦ (٢٨٨٥) واللفظ له، ومسلم (٢٤١٠) .
(٢) صحبه. صحابة وصحبة: رافقه. المعجم الوسيط (٥٣٥) .