كتاب نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم

السيرة النبوية العطرة - غزوة المريسيع (بني المصطلق) : - ج: 1 - ص: 320

ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهرا من الهجرة النبوية «١» . ويرجع الواقدي سببها إلى أنه قد بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن بدومة الجندل جمعا كثيرا من الناس وأنهم يظلمون من مرّ بهم من تجار الميرة والمتاع المتنقلين بين المدن- وكان بدومة الجندل سوق عظيم وتجارة رائجة، وأنه قد ضوى إليهم قوم من العرب كثير، وأنهم يريدون التوجه إلى المدينة طمعا في أموالها «٢» ، فندب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الناس وخرج في ألف من المسلمين، ومعهم دليل من بني عذرة، وقبل وصولهم دومة الجندل هجموا علي ماشيتهم ورعائهم، فأصابوا قسما منها، وهرب من هرب، فبلغ الخبر دومة الجندل، فتهاربوا إذ لم يجد المسلمون أحدا فيها عند وصولهم، فأقام النبي صلّى الله عليه وسلّم بالمسلمين فيها أياما، وبعث بالسرايا من هناك إلى مختلف الأنحاء وكانت ترجع بالإبل فقط، إلّا سريّة محمد بن مسلمة الذي أسر رجلا منهم وعرض عليه الإسلام فأسلم. وعاد الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالمسلمين إلى المدينة «٣» .

[غزوة المريسيع (بني المصطلق) :]

ساهم بنو المصطلق- وهم من خزاعة الأزدية اليمانية «٤» مع قوات المشركين التي قادتها قريش ضد المسلمين في معركة أحد «٥» . وقد تجرّأ بنو المصطلق فيمن تجرّأ من الأعراب على المسلمين، فأخذ زعيمهم الحارث بن أبي ضرار في جمع السلاح والرجال وتأليب القبائل المجاورة للقيام بهجوم على المدينة «٦» . وحين علم الرسول صلّى الله عليه وسلّم بذلك، أرسل عينا جاءه بتأكيد نيّتهم في ذلك «٧» .

وفي يوم الاثنين الثاني من شعبان سنة ٥ هـ خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم من المدينة «٨» ، في سبعمائة مقاتل وثلاثين فرسا، وتوجه نحو بني المصطلق «٩» . وحيث إنهم كانوا ممن بلغتهم دعوة الإسلام، وكانوا قد شاركوا في غزوة أحد ضمن جيش المشركين ضد المسلمين، كما أنهم كانوا يجمعون الجموع ويستعدون لحرب المسلمين، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أغار

---

(١) ابن هشام- السيرة ٣/ ٢٩٧- ٢٩٨، الواقدي- المغازي ١/ ٤٠٢، ابن سعد- الطبقات ٢/ ٦٢.
(٢) الواقدي- المغازي ١/ ٤٠٢- ٤٠٤، ابن سعد- الطبقات ٢/ ٦٢- ٦٣، وقد أضاف الواقدي سببا آخر وهو أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أراد أن يقترب بتحركاته العسكرية من حدود الشام لكي يفزع الروم (المغازي ١/ ٤٠٣) ، وانظر ابن هشام- السيرة ٣/ ٢٩٧- ٢٩٨.
(٣) الواقدي- المغازي ١/ ٤٠٢- ٤٠٤، ابن سعد- الطبقات ٢/ ٦٢- ٦٣ معلقا.
(٤) خليفة بن خياط- الطبقات ص ٧٦، ١٠٧، ابن هشام- السيرة ١/ ١٣٦ وكانوا يسكنون قديدا وعسفان بين مكة والمدينة (الحربي- المناسك ٤٥٨- ٤٦٠) ، القلقشندي- قلائد الجمان ص ٩٣، النويري- نهاية الأرب ٢/ ٣٣٢.
(٥) ابن هشام- السيرة ٢/ ٦١، الواقدي- مغازي ١/ ٢٠٠.
(٦) ابن سعد- الطبقات ٢/ ٦٣ بإسناد جمعي.
(٧) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها، وانظر: البيهقي- السنن ٩/ ٥٤، ودلائل النبوة ٤/ ٤٤، الواقدي- ١/ ٤٠٤، ابن كثير- البداية ٣/ ٢٤٢، ٤/ ١٥٦. وكذلك ابن هشام- السيرة ٣/ ٤٠١.
(٨) ابن كثير- البداية ٣/ ٢٤٢، ٤/ ١٥٦ وهذا هو الراجح حكاه موسى بن عقبة عن الزهري وعن عروة، وتابعه أبو معشر والواقدي وابن سعد انظر ابن حجر فتح الباري ٧/ ٤٣٠، مغازي ١/ ٤٠٤، ابن سعد- الطبقات ٢/ ٦٣، البيهقي- السنن ٩/ ٥٤، ابن القيم- زاد المعاد ٣/ ١٢٥، الذهبي- تاريخ الإسلام ٢/ ٢٧٥.
(٩) الذهبي- تاريخ الإسلام (المغازي) ١/ ٢٣٠، الواقدي- مغازي ١/ ٤٠٤.