للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ترك من كلّ نعمة أنعمها تعالى عليه جانبا يصلحه هو بفكرته لئلّا تبطل فائدة الفكرة، فيكون وجودها عبثا، وكما أنّ البدن يتعوّد الرّفاهية بالكسل، كذلك النّفس تتعوّده بترك النّظر، والتّفكّر ممّا يجعلها تتبلّد وتتبلّه، وترجع إلى رتبة البهائم، وإذا تأمّلت قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:

«سافروا تغنموا» ونظرت إليه نظرا عاليا، علمت أنّه حثّك على التّحرّك الّذي يثمر لك جنّة المأوى ومصاحبة الملإ الأعلى، بل مجاورة الله تعالى «١» .

[أقسام الكسل:]

الكسل قسمان: الأوّل: كسل العقل بعدم إعماله في التّفكّر والتّدبّر والنّظر في آلاء الله من ناحية وفي تركه النّظر إلى ما يصلح شأن الإنسان، ومن حوله في الدّنيا الّتي فيها معاشه. وليس تأخّر الأمم ناتجا إلّا عن كسل أصحاب العقول فيها وقلّة اكتراثهم بالقوّة الإبداعيّة المفكّرة الّتي أودعها الله فيهم.

الثّاني: كسل البدن بما يشتمل عليه من الجوارح، وينجم عن هذا الكسل تأخّر الأفراد، بله الأمم في مجالات النّشاط المختلفة من زراعة وصناعة وغيرهما «٢» .

قال في القاموس المحيط: الثّقل: ضدّ الخفّة.

وتثاقل عنه: ثقل وتباطأ، والقوم: لم ينهضوا للنّجدة، وقد استنهضوا لها.

وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر. ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا. ولقد هممت أن آمر بالصّلاة فتقام. ثمّ آمر رجلا، فيصلّي بالنّاس، ثمّ أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصّلاة، فأحرّق عليهم بيوتهم بالنّار» «٣» .

وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استنفر حيّا من أحياء العرب، فتثاقلوا عليه، فأمسك عنهم المطر، فكان ذلك عذابهم «٤» .

وقال الألوسي- رحمه الله- في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ (التوبة/ ٣٨) : أي اثّاقلتم مائلين إلى الدّنيا وشهواتها الفانية عمّا قليل وكرهتم مشاقّ الجهاد ومتاعبه المستتبعة للرّاحة الخالدة والحياة الباقية أو إلى الإقامة بأرضكم ودياركم والأوّل أبلغ في الإنكار والتّوبيخ ورجّح الثّاني بأنّه أبعد عن توهّم شائبة التّكرار في الآية «٥» .

[للاستزادة: انظر صفات: التهاون- صغر الهمة- الضعف- الوهن- الإهمال- التخلف عن الجهاد- التفريط والإفراط- البلادة والغباء- التخاذل.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: النشاط- علو الهمة- العمل- القوة- قوة الإرادة- المسئولية- العزم والعزيمة- الشهامة] .


(١) باختصار وتصرف يسير عن: الذريعة إلى مكارم الشريعة (٣٨٤) .
(٢) كتبت هذه الفقرة استنباطا مما ذكره الراغب في الذريعة تحت عنوان مدح السعي وذم الكسل (٢٨٣) .
(٣) رواه البخاري- الفتح ٢ (٦٤٤) ومسلم (٦٥١) واللفظ له.
(٤) أخرجه الطبري: ١٤/ ٢٥٤- ٢٥٥، وصححه الحاكم في المستدرك: ٢/ ١١٨.
(٥) روح المعاني، الألوسي (١٠/ ٩٥) .