للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يختمون فيه، فكان جماعة منهم يختمون في كلّ شهرين ختمة وآخرون في كلّ شهر ختمة. وآخرون في كلّ عشر ليال ختمة، وآخرون في كلّ سبع ليال ختمة، وهذا فعل الأكثرين من السّلف، ... ووصل الأمر ببعضهم إلى أن ختم أربعا في اللّيل وأربعا في النّهار، قال النّوويّ والمختار أنّ ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصل له فيه فهم ما يقرأ، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم أو فصل الحكومات بين المسلمين أو غير ذلك من مهمّات الدّين والمصالح العامّة للمسلمين فليقتصر على قدر لا يحصل له بسببه إخلال بما هو مرصد (مكلّف) به، ولا فوت كماله، ومن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حدّ الملل، أو الهذرمة في القراءة «١» . وقد كره جماعة من المتقدّمين الختم في يوم وليلة مستدلّين بالحديث الشّريف «لا يفقه من قرأ القرآن في أقلّ من ثلاث» «٢» . قلت: الختم في أقلّ من ذلك أدخل في الكراهة «٣» .

[الأوقات التي تستحب فيها القراءة:]

قال النّوويّ: أفضل القراءة ما كان في الصّلاة، وأمّا في غير الصّلاة فأفضلها قراءة اللّيل، والنّصف الأخير منه أفضل من الأوّل، والقراءة بين المغرب والعشاء مستحبّة. وأمّا قراءة النّهار، فأفضلها ما بعد صلاة الصّبح، ولا كراهة في القراءة في وقت من الأوقات، ولا في أوقات النّهي عن الصّلاة (النّافلة) «٤» .

ومن السّنّة كثرة الاعتناء بالقراءة في شهر رمضان، وفي العشر الأخير منه أفضل وليالي الوتر آكد ومن ذلك العشر الأول من ذي الحجّة ويوم عرفة «٥» .

[سور مخصوصة في صلوات مخصوصة:]

قال النّوويّ: السّنّة أن يقرأ في صلاة الصّبح يوم الجمعة بعد الفاتحة في الرّكعة الأولى سورة السّجدة بكمالها، وفي الثّانيّة هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ بتمامها، ولا يفعل ما يفعله كثير من الأئمّة من الاقتصار على آيات من كلّ واحدة منهما مع تمطيط القراءة، بل ينبغي أن يقرأهما بكمالهما ويدرج قراءته مع ترتيل، والسّنّة أن يقرأ في صلاة الجمعة في الرّكعة الأولى سورة الجمعة بكمالها، وإن شاء سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وفي الثّانية هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ وكلاهما صحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والسّنّة في صلاة العيد في الرّكعة الأولى سورة (ق) ، وفي الثّانية سورة (القمر) ، وإن شاء «سبّح» «وهل أتاك» ، وكلاهما صحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويقرأ في ركعتي سنّة الصّبح بعد الفاتحة في الأولى ب قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وفي الثّانية قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وإن شاء قرأ في الأولى قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا (البقرة/ ١٢٦) ، وفي الثّانية قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ (آل عمران/ ٦٤)


(١) الهذرمة: هي الإسراع الزائد.
(٢) قال النووي في الأذكار: رويناه بأسانيد صحيحة؛ وجاء في سنن أبي داود ٢/ ٥٦ حديث رقم ١٣٩٤.
(٣) الأذكار النووية (١٤٤) .
(٤) الأذكار النووية (١٤٦) .
(٥) التبيان في آداب حملة القرآن ص ١٤.