للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الميعاد ووافيته فيه، وتوفّى المدّة: بلغها واستكملها، وهو من ذلك. وكلّ شيء بلغ تمام الكمال فقد وفى وتمّ، ويقال: أوفيته حقّه ووفّيته أجره «١» .

والوفاء في اللّغة: الخلق الشّريف العالي الرّفيع من قولهم: وفى الشّعر فهو واف إذا زاد، ووفيت له بالعهد أفي، ووافيت أوافي.

ومنه الوفاء بالعهد: وسمّي بذلك لما فيه من بلوغ تمام الكمال في تنفيذ كلّ ما عاهد عليه الله، وفي كلّ ما عاهد عليه العباد «٢» .

[الوفاء اصطلاحا:]

قال الجرجانيّ: الوفاء: هو ملازمة طريق المواساة، ومحافظة عهود الخلطاء «٣» .

وقال الجاحظ: الوفاء: هو الصّبر على ما يبذله الإنسان من نفسه ويرهنه به لسانه «٤» . والخروج ممّا يضمنه (بمقتضى العهد الّذي قطعه على نفسه) وإن كان مجحفا به، فليس يعدّ وفيّا من لم تلحقه بوفائه أذيّة وإن قلّت، وكلّما أضرّ به الدّخول تحت ما حكم به على نفسه كان ذلك أبلغ في الوفاء «٥» .

وقال الرّاغب: الوفاء بالعهد: إتمامه وعدم نقض حفظه «٦» .

وقال أيضا: الوفاء صدق اللّسان والفعل معا «٧» .

[الوفاء قيمة إنسانية نادرة:]

للوفاء بالعهود قيمة إنسانيّة وأخلاقيّة عظمى لأنّه يرسي دعائم الثّقة في الأفراد ويؤكّد أواصر التّعاون في المجتمع، يقول الرّاغب الأصفهانيّ في ذلك: الوفاء: أخو الصّدق والعدل، والغدر: أخو الكذب والجور، ذلك أنّ الوفاء: صدق اللّسان والفعل معا، والغدر كذب بهما، لأنّ فيه مع الكذب نقض للعهد.

والوفاء: يختصّ بالإنسان، فمن فقد فيه (الوفاء) فقد انسلخ من الإنسانيّة، وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان وصيّره قواما لأمور النّاس، فالنّاس مضطرّون إلى التّعاون، ولا يتمّ تعاونهم إلّا بمراعاة العهد والوفاء به، ولولا ذلك لتنافرت القلوب وارتفع التّعايش. ولذلك عظّم الله تعالى أمره فقال: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (البقرة/ ٤٠) ، وقيل في قوله- عزّ وجلّ-: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (المدثر/ ٤) ، أي نزّه نفسك عن الغدر، وقد عظّم حال السّموأل فيما التزم به من الوفاء بدروع


(١) لسان العرب (١٥/ ٣٩٨- ٤٠٠) .
(٢) المرجع السابق. وانظر: بصائر ذوي التمييز (٤/ ١١٤- ١١٥) . ونزهة الأعين النواظر (٤٤٦- ٤٤٨) .
(٣) التعريفات (ص ٢٧٤) ، والمناوي في التوقيف (ص ٣٩٣) .
(٤) معنى هذه العبارة: أن الإنسان يصبح رهينة بما ينطق به لسانه ولا يكون وفيّا إلّا إذا حرر نفسه بالوفاء بما التزم به، وهذا هو مضمون العبارة التالية في قوله «والخروج مما يضمنه» أي خروج الإنسان من العهد الذي قطعه على نفسه وألزمه به لسانه مما ضمنه للغير.
(٥) تهذيب الأخلاق (ص ٢٤) ويبدو أن الجاحظ يتحدث هنا عن وفاء بعينه وهو ما تعلق بالوعود المقطوعة للآخرين.
(٦) المفردات (٥٢٨) .
(٧) الذريعة إلى مكارم الشريعة (ص ٢٩٢) .