هجنة التّكلّف ولا يتخلّله فيهقة التّعسّف.
وقد دوّن كثير من جوامع كلمه ومن كلامه الّذي لا يشاكل في فصاحته وبلاغته ومع ذلك فلا يأتي عليه إحصاء ولا يبلغه استقصاء.
ولو مزج كلامه بغيره لتميّز بأسلوبه ولظهر فيه آثار التّنافر فلم يلتبس حقّه من باطله ولبان صدقه من كذبه هذا ولم يكن متعاطيا للبلاغة ولا مخالطا لأهلها من خطباء أو شعراء أو فصحاء وإنّما هو من غرائز طبعه وبداية جبلّته وما ذاك إلّا لغاية تراد وحادثة تشاد.
[الوجه الرابع: فضائل الأعمال:]
وأمّا في فضائل أفعاله صلّى الله عليه وسلّم فمختبر بثمان خصال:
[الخصلة الأولى:]
حسن سيرته، وصحّة سياسته في دين نقل به الأمّة عن مألوف، وصرفهم به عن معروف إلى غير معروف، فأذعنت به النّفوس طوعا، وانقادت خوفا وطمعا.
وحسبك بما استقرّت قواعده على الأبد حتّى انتقل عن سلف إلى خلف يزاد فيهم حلاوته، ويشتدّ فيهم جدّته، ويرونه نظاما لإعصار تنقلب صروفها، ويختلف مألوفها أن يكون لمن قام به برهانا ولمن ارتاب به بيانا.
الخصلة الثّانية:
أن جمع بين رغبة من استمال ورهبة من استطاع حتّى اجتمع الفريقان على نصرته، وقاموا بحقوق دعوته رغبا في عاجل وآجل، ورهبا من زائل ونازل، لاختلاف الشّيم والطّباع في الانقياد الّذي لا ينتظم بأحدهما، ولا يستديم إلّا بهما، فلذلك صار الدّين بهما مستقرّا، والصّلاح بهما مستمرّا.
الخصلة الثّالثة:
أنّه عدل فيما شرعه من الدّين عن الغلوّ والتّقصير إلى التّوسّط، وخير الأمور أوساطها، وليس لما جاوز العدل حظّ من رشد، ولا نصيب من سداد.
الخصلة الرّابعة:
أنّه لم يمل بأصحابه إلى الدّنيا ولا إلى رفضها، وأمدّهم فيها بالاعتدال، وقال: «خيركم من لم يترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه، ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه» . وهذا صحيح؛ لأنّ الانقطاع إلى أحدهما اختلال، والجمع بينهما اعتدال.
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «نعم المطيّة الدّنيا فارتحلوها تبلّغكم الآخرة» ، وإنّما كان كذلك لأنّ منها يتزوّد لآخرته. ويستكثر فيهما من طاعته وأنّه لا يخلو تاركها من أن يكون محروما
مضاعا أو مرحوما مراعى وهو في الأوّل كلّ وفي الثّاني مستذلّ.