للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأحاديث الواردة في (المداراة)]

١-* (عن السّائب- رضي الله عنه- أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجعلوا يثنون عليّ ويذكروني، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أعلمكم به، قلت: صدقت بأبي وأمّي- كنت شريكي فنعم الشّريك، كنت لا تداري ولا تماري» ) * «١» .

٢-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مداراة النّاس صدقة» ) * «٢» .

[الأحاديث الواردة في (المداراة) معنى]

٣-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لم يكذب إبراهيم النّبيّ- عليه السّلام- قطّ إلّا ثلاث كذبات: ثنتين في ذات الله «٣» ، قوله: إنّي سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم هذا.

وواحدة في شأن سارة. فإنّه قدم أرض جبّار ومعه سارة، وكانت أحسن النّاس، فقال لها: إنّ هذا الجبّار، إن يعلم أنّك امرأتي يغلبني عليك. فإن سألك فأخبريه أنّك أختي، فإنّك أختي في الإسلام. فإنّي لا أعلم في الأرض مسلما غيري وغيرك. فلمّا دخل أرضه رآها بعض أهل الجبّار أتاه فقال له: لقد دخل أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إلّا لك. فأرسل إليها فأتي بها.

فقام إبراهيم عليه السّلام إلى الصّلاة. فلمّا دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها فقبضت يده قبضة شديدة، فقال لها: ادعي الله أن يطلق يدي ولا أضرّك. فعلت. فعاد. فقبضت أشدّ من القبضة الأولى.

فقال لها مثل ذلك. ففعلت. فعاد، فقبضت أشدّ من القبضتين الأوليين. فقال: ادعي الله أن يطلق يدي فلك الله «٤» أن لا أضرّك، ففعلت. وأطلقت يده. ودعا


(١) أبو داود (٤٨٣٦) واللفظ له. وقال المنذري في مختصر أبي داود: أخرجه النسائي. وذكره الألباني في صحيحه (٣/ ٩١٧) رقم (٤٠٤٩) . قال أبو عبيد: معناه هنا المشاغبة والمخالفة على الشريك لأنه من المهموز يعني درأت، ومنه كذلك قوله تعالى: فَادَّارَأْتُمْ فِيها (البقرة/ ٧٢) يعني اختلافهم في القتل. والمدارأة أيضا: الاعوجاج والاختلاف والنشوز، قال الشعبي في المرأة المختلعة: إذا كان الدرء من قبلها فلا بأس أن يأخذ منها.
(٢) رواه ابن حبان (٢/ ٢١٦) / ٤٧١) ، وذكره في الفتح (١٠/ ٥٤٥) ، وقال: رواه والطبراني في الأوسط وفي سنده يوسف بن محمد بن المنكدر، ضعّفوه وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وكذا أخرجه ابن أبي عاصم في آداب الحكماء بسند أحسن منه. وذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية (٢/ ٩٦) وقال: رواه ابن حبان في صحيحه وهو حديث حسن. وانظر المقاصد الحسنة (ص ٣٧٧) والميزان للذهبي (٤/ ٤٦٢) .
(٣) ثنتين في ذات الله: معناه أن الكذبات المذكورة إنما هي بالنسبة إلى فهم المخاطب والسامع، وأما في نفس الأمر فليست كذبا مذموما لوجهين: أحدهما أنه ورى بها، فقال في سارة: أختي في الإسلام، وهو صحيح في باطن الأمر، والوجه الثاني أنه لو كان كذبا لا تورية فيه، لكان جائزا في دفع الظالمين، فنبه النبي صلّى الله عليه وسلّم على أن هذه الكذبات ليست داخلة في مطلق الكذب المذموم.
(٤) فلك الله: أي شاهد وضامن أن لا أضرك. وهو قسم.