للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واتّبعه أصحابه وقالوا: ما نرى ينطلق إلّا لبعض حاجته، حتّى قام على شفة الرّكيّ «١» ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: «يا فلان ابن فلان، ويا فلان ابن فلان، أيسرّكم أنّكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنّا قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّا، فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا» ؟ قال: فقال عمر: يا رسول الله، ما تكلّم من أجساد لا أرواح لها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفس محمّد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» قال قتادة: أحياهم الله حتّى أسمعهم قوله، توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما) * «٢» .

من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الانتقام)

١-* (الصّحابيّ الجليل عبد الله بن حذافة السّهميّ، لمّا أسرته الرّوم جاءوا به إلى ملكهم فقال له:

تنصّر، وأنا أشركك في ملكي، وأزوّجك ابنتي، فقال له:

لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملكه العرب على أن أرجع عن دين محمّد طرفة عين ما فعلت. فقال: إذا أقتلك.

قال: أنت وذاك. فأمر به فصلب، وأمر الرّماة فرموه قريبا من يديه ورجليه وهو يعرض عليه دين النّصرانيّة فيأبى، ثمّ أمر به فأنزل، ثمّ أمر بقدر. وفي رواية ببكرة من نحاس- فأحميت وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر، فإذا هو عظام تلوح وعرض عليه فأبى، فأمر به أن يلقى فيها، فرفع في البكرة ليلقى فيها، فبكى فطمع فيه ودعاه، فقال له: إنّي إنّما بكيت لأنّ نفسي إنّما هي نفس واحدة تلقى في القدر السّاعة في الله، فأحببت أن يكون لي بعدد كلّ شعرة من جسدي نفس تعذّب هذا العذاب في الله» ) * «٣» .

٢-* (عن سليمان بن يسار؛ أنّ سائبة «٤» أعتقه بعض الحجّاج فقتل ابن رجل من بني عائذ فجاء العائديّ أبو المقتول إلى عمر بن الخطّاب يطلب دية ابنه، فقال عمر: لا دية له. فقال العائذيّ: أرأيت لو قتله ابني؟ فقال عمر: إذا تخرجون ديته. فقال: هو إذا كالأرقم «٥» إن يترك يلقم، وإن يقتل ينقم «٦» » ) * «٧» .

٣-* (قال جعفر الصّادق: «لأن أندم على العفو عشرين مرّة أحبّ إليّ من أن أندم على العقوبة مرّة واحدة» ) * «٨» .

٤-* (قال المنصور لولده المهديّ: «لذّة العفو أطيب من لذّة التّشفّي؛ وذلك أنّ لذّة العفو يلحقها حمد العاقبة، ولذّة التّشفّي يلحقها ذمّ النّدم» ) * «٩» .

٥-* (قال صاحب خصايص الغرر ونقائص العرر: قال الله- عزّ وجلّ-: وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (الشورى/ ٣٧) وهذا دليل على أنّ الانتقام يقبح على الكرام» ) * «١٠» .


(١) الركيّ: البئر القليلة الماء، وشفة الركي يراد بها حافة البئر.
(٢) البخاري- الفتح ٧ (٣٩٧٦) .
(٣) أسد الغابة (٣/ ١٤٣) .
(٤) السائبة: عبد يعتقه رجل فيقول هو سائبة أي مرسل كيف يشاء.
(٥) هو إذا كالأرقم: كالحية التي على ظهرها رقم أي نقش.
(٦) إن يقتل ينقم: أي يثأر به.
(٧) تنوير الحوالك (٣/ ٧٦، ٧٧.) .
(٨) خصايص الغرر (ق ١٠٣ أ.)
(٩) المرجع السابق نفسه.
(١٠) المرجع السابق (ق ١٠٢ ب) .