للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ* قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ* مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ* أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ* أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ* أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ* وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ* أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ* وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (المؤمنون/ ٦٣- ٧٤) .

والنّاصح لنفسه العامل على نجاتها يتدبّر هذه الآيات حقّ تدبّرها ويتأمّلها حقّ تأمّلها وينزّلها على الواقع فيرى العجب ولا يظنّها اختصّت بقوم كانوا فبانوا «فالحديث لك واسمعي يا جارة» والله المستعان «١» .

[ثالثا: الأدب مع الخلق:]

وأمّا الأدب مع الخلق: فهو معاملتهم- على اختلاف مراتبهم بما يليق بهم، فلكلّ مرتبة أدب.

والمراتب فيها أدب خاصّ. فمع الوالدين: أدب خاصّ للأب منهما أدب هو أخصّ به، ومع العالم: أدب آخر، ومع السّلطان: أدب يليق به وله ومع الأقران أدب يليق بهم. ومع الأجانب: أدب غير أدبه مع أصحابه وذوي أنسه. ومع الضّيف: أدب غير أدبه مع أهل بيته.

ولكلّ حال أدب: فللأكل آداب. وللشّراب آداب. وللرّكوب والدّخول والخروج والسّفر والإقامة والنّوم آداب. وللتّبوّل آداب. وللكلام آداب.

وللسّكون والاستماع آداب.

وأداب المرء: عنوان سعادته وفلاحه. وقلّة أدبه: عنوان شقاوته وبواره. فما استجلب خير الدّنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانها بمثل قلّة الأدب. فانظر إلى الأدب مع الوالدين: كيف نجّى صاحبه من حبس الغار حين أطبقت عليهم الصّخرة؟

والإخلال به مع الأمّ- تأويلا وإقبالا- على الصّلاة كيف امتحن صاحبه بهدم صومعته وضرب النّاس له، ورميه بالفاحشة.

وتأمّل أحوال كلّ شقيّ ومفتر ومدبر: كيف تجد قلّة الأدب هي الّتي ساقته إلى الحرمان؟ «٢» .

إنّ حسن الخلق والأدب هو مقام الاقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم واتّباع سنّته بفضل من الله- عزّ وجلّ- القائل في كتابه: لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا (البقرة/ ٣٢) وهو الّذي أمرنا بذلك في قوله جلّ وعلا: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (الأحزاب/ ٢١) .

إنّ هذا هو مقام من أراد التّخلّق بأخلاق الشّرع الحنيف وتأدّب بآداب الله الّتي أدّب بها عباده في كتابه الكريم، وما اتّصف به الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم


(١) مدارج السالكين ٢ (٤٠٤- ٤٠٥) بتصرف.
(٢) مدارج السالكين ٢ (٤٠٦- ٤٠٨) بتصرف.