في المتكبّر عليه، وسبب فيما يتعلّق بغيرهما
أمّا السّبب الّذي فى المتكبّر: فهو العجب، والّذي يتعلّق بالمتكبّر عليه هو الحقد، والحسد، والّذي يتعلّق بغيرهما هو الرّياء، فتصير الأسباب بهذا الاعتبار أربعة.
العجب، والحقد، والحسد، والرّياء:
أمّا العجب: فإنّه يورث الكبر الباطن، والكبر يثمر التّكبّر الظّاهر في الأعمال والأقوال والأحوال.
وأمّا الحقد: فإنّه يحمل على التّكبّر من غير عجب، كالّذي يتكبّر على من يرى أنّه مثله أو فوقه، ولكن قد غضب عليه بسبب سبق منه فأورثه الغضب حقدا ورسخ في قلبه بغضه، فهو لذلك لا تطاوعه نفسه أن يتواضع له وإن كان عنده مستحقّا للتّواضع.
وأمّا الحسد: فإنّه أيضا يوجب البغض للمحسود وإن لم يكن من جهته إيذاء وسبب يقتضي الغضب والحقد، ويدعو الحسد أيضا إلى جحد الحقّ حتّى يمنع من قبول النّصيحة وتعلّم العلم، فكم من جاهل يشتاق إلى العلم وقد بقي في رذيلة الجهل لاستنكافه أن يستفيد من واحد من أهل بلده أو أقاربه حسدا وبغيا عليه. فهو يعرض عنه ويتكبّر عليه مع معرفته بأنّه يستحقّ التّواضع بفضل علمه، ولكنّ الحسد يبعثه على أن يعامله بأخلاق المتكبّرين، وإن كان في باطنه ليس يرى نفسه فوقه.
وأمّا الرّياء: فهو أيضا يدعو إلى أخلاق المتكبّرين، حتّى إنّ الرّجل ليناظر من يعلم أنّه أفضل منه وليس بينه وبينه معرفة ولا محاسدة ولا حقد، ولكن يمتنع من قبول الحقّ منه ولا يتواضع له في الاستفادة خيفة من أن يقول النّاس إنّه أفضل منه فيكون باعثه على التّكبّر عليه الرّياء المجرّد، ولو خلا معه بنفسه لكان لا يتكبّر عليه «١» .
[درجات الكبر:]
قال ابن قدامة رحمه الله: اعلم: أنّ العلماء والعبّاد في آفة الكبر على ثلاث درجات:
الأولى: أن يكون الكبر مستقرّا في قلب الإنسان منهم، فهو يرى نفسه خيرا من غيره، إلّا أنّه يجتهد ويتواضع، فهذا في قلبه شجرة الكبر مغروسة، إلّا أنّه قد قطع أغصانها.
الثّانية: أن يظهر لك بأفعاله من التّرفّع في المجالس، والتّقدّم على الأقران، والإنكار على من يقصّر في حقّه، فترى العالم يصعّر خدّه للنّاس كأنّه معرض عنهم، والعابد يعيش ووجهه كأنّه مستقذر لهم، وهذان قد جهلا ما أدّب الله به نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. حين قال: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (الشعراء/ ٢١٥) .
الدّرجة الثّالثة: أن يظهر الكبر بلسانه كالدّعاوى والمفاخرة، وتزكية النّفس، وحكايات الأحوال في معرض المفاخرة لغيره، وكذلك التّكبّر بالنّسب، فالّذي له نسب شريف يستحقر من ليس له
(١) الإحياء (٣/ ٣٥٣، ٣٥٤) .