للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ممّن فوقها، والغضب يتحرّك من داخل الجسد إلى خارجه والحزن يتحرّك من خارج الجسد إلى داخله، فلذلك قتل الحزن، ولم يقتل الغضب؛ لكمون الحزن وبروز الغضب، وصار الحادث عن الغضب السّطوة والانتقام لبروزه، والحادث عن الحزن المرض والأسقام لكمونه، وكذلك أفضى الحزن إلى الموت، ولم يفض إليه الغضب «١» .

[من الغضب ما هو محمود:]

من الغضب ما يكون محمودا وذلك إذا صدر الغضب من الله- عزّ وجلّ- وليس مثل غضبه شيء، ومن ذلك غضبه تعالى على أعدائه لله من اليهود ومن كان على شاكلتهم من الكفّار والمنافقين والطّغاة والمتجبّرين (انظر الآيات ١- ١١) و (الحديث ٢٨) ، كما يكون الغضب محمودا إذا كان لله- عزّ وجلّ- عند ما تنتهك حرماته، وقد أثبت القرآن ذلك للرّسل الكرام في مواضع عديدة (انظر الآيات ١٢- ١٤) ، كما في الحديث الشّريف أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يغضب في بعض الأحيان لله- عزّ وجلّ- لا لنفسه، (انظر الأحاديث ١٧، ٢٠، ٢٤، ٢٥، ٢٧) .

وقد ذكر الغزاليّ أنّ النّوع الثّالث من أنواع الغضب وهو الّذي يوصف بالاعتدال غضب محمود وأنّ النّوعين الآخرين وهما نوعا الإفراط والتّفريط مذمومان «٢» ، وقال الماورديّ بعد أن ذكر الأسباب الّتي تؤدّي إلى الحلم: الأولى بالإنسان أن تدعوه إلى الحلم أفضل أسبابه، وإن كان الحلم كلّه فضلا وإن عرا عن هذه الأسباب كان ذلّا، والحلم ضبط النّفس عند هيجان الغضب فإن فقد الغضب لسماع ما يغضب كان ذلك من ذلّ النّفس وقلّة الحميّة، وأنشد النّابغة الجعديّ بحضرة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:

ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدّرا

ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا

فلم ينكر صلّى الله عليه وسلّم قوله عليه، ومن فقد الغضب في الأشياء المغضبة حتّى استوت حالتاه قبل الإغضاب وبعده فقد عدم من فضائل النّفس الشّجاعة والأنفة والحميّة والغيرة والدّفاع والأخذ بالثّأر لأنّها خصال مركّبة من الغضب، فإذا عدمها الإنسان هان بها، وليس هذا القول إغراء بتحكّم الغضب، ولكن إذا ثار به الغضب عند وجود ما يغضبه، كفّ سورته بغضبه وأطفأ ثائرته بحلمه، ... ولو عزب عنه الحلم حتّى انقاد لغضبه ضلّ عنه وجه الصّواب «٣» ، والخلاصة أنّ الغضب الّذي يتحكّم فيه صاحبه بالحلم هو غضب محمود، ولا يكون كذلك إلّا إذا بعد عن الإفراط والتّفريط، لأنّه في هذه الحالة «يتلقّى قوّة الغضب بحلمه فيصدّها، ويقابل عوادي شرّته بحزمه فيردّها، وحينئذ يحظى بانجلاء الحيرة ويسعد بحميد العاقبة» «٤» .

[للاستزادة: انظر صفات: الحقد- السخط- الطيش- النقمة- العجلة- الحمق- الغل- الانتقام- سوء المعاملة- سوء الخلق.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الحلم- الرضا- السكينة- كظم الغيظ- الوقار- الصبر والمصابرة- الصمت وحفظ اللسان- العفو] .


(١) أدب الدنيا والدين (٢٥٠، ٢٥٢) .
(٢) انظر أنواع الغضب.
(٣) باختصار عن أدب الدنيا والدين (٢٥٠- ٢٦٨) .
(٤) المرجع السابق (٢٥٠) .