وقال بعضهم: يمكن ذلك، واستدلّ بما روي:
«حسّنوا أخلاقكم» ولو لم يمكن لما أمر به، وقال أصحاب هذا الرّأي: إنّ الله تعالى خلق الأشياء على ضربين:
أحدهما بالفعل ولم يجعل للعبد فيه عملا، كالسّماء والأرض والهيئة والشّكل.
والآخر: خلقه خلقة ما، وجعل فيه قوّة ورشّح الإنسان لإكماله وتغيير حاله وإن لم يرشّحه لتغيير ذاته، والخلق من الإنسان يجري هذا المجرى في أنّه لا سبيل للإنسان إلى تغيير القوّة الّتي هي السّجيّة، وجعل له سبيلا إلى إسلاسها، ولهذا قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (الشمس/ ٩- ١٠) ولو لم يكن الأمر كذلك لبطلت فائدة المواعظ والوصايا، والوعد والوعيد، والأمر والنّهي، ولما جوّز العقل أن يقال للعبد: لم فعلت؟ ولم تركت؟، وكيف يكون هذا في الإنسان ممتنعا، وقد وجدناه في بعض البهائم ممكنا، فالوحش قد ينقل بالعادة (والتّدرّب) إلى التّأنّس ومن الجموح إلى السّلاسة «١» .
هل يتغيّر حسن الخلق إلى خلق سيّىء؟
إذا كان الخلق السّيّىء قد يتحوّل إلى خلق حسن باتّباع الشّرع والتّدرّب على الأخلاق الحميدة والمثابرة عليها فهل يتغيّر الخلق الحسن إلى سيّىء؟، على هذا السّؤال أجاب الماورديّ فقال:
ربّما تغيّر حسن الخلق والوطاء إلى الشّراسة والبذاء لأسباب عارضة وأمور طارئة تجعل اللّين خشونة والوطاء غلظة والطّلاقة عبوسّا، فمن أسباب ذلك:
الولاية الّتي تحدث في الأخلاق تغيّرا. وعلى الخلطاء تنكّرا، إمّا من لؤم طبع، وإمّا من ضيق صدر.
ومنها العزل، فقد يسوء منه الخلق، ويضيق به الصّدر، إمّا لشدّة أسف أو لقلّة صبر. ومنها الغنى، فقد تتغيّر به أخلاق اللّئيم بطرا، وتسوء طرائقه أشرا، وقد قيل من نال استطال. ومنها الفقر، فقد يتغيّر به الخلق، إمّا أنفة من ذلّ الاستكانة، أو أسفا على فائت الغنى.
ومنها الهموم الّتى تذهل اللّبّ. وتشغل القلب،. فلا تتبع الاحتمال ولا تقوى على صبر،. وقد قيل الهمّ كالسّمّ. وقال بعض الأدباء: الحزن كالدّاء المخزون في فؤاد المحزون.
ومنها الأمراض الّتي يتغيّر بها الطّبع، كما يتغيّر بها الجسم، فلا تبقى الأخلاق على اعتدال، ولا يقدر معها على احتمال.
ومنها علوّ السّنّ. وحدوث الهرم لتأثيره في آلة الجسد. كذلك يكون تأثيره في أخلاق النّفس، فكما يضعف الجسد على احتمال ما كان يطيقه من أثقال كذلك تعجز النّفس عن احتمال ما كانت تصبر عليه من مخالفة الوفاق، وضيق الشّقاق، وكذلك ما ضاهاه.
فهذه سبعة أسباب، أحدثت سوء خلق كان عامّا. وههنا سبب خاصّ يحدث سوء خلق خاصّ، وهو البغض الّذي تنفر منه النّفس، فتحدث نفورا عن
(١) الذريعة (١١٥، ١١٦) (بتصرف) .