للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[التذكر]

/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/

/ ٤٧/ ١٣/ ٩/

[التذكر لغة:]

مصدر تذكّر على وزن تفعّل وهذا الوزن يفيد التّدرّج والارتقاء شيئا فشيئا، يقول الجوهريّ: وذكرت الشّيء بعد النّسيان وذكرته بلساني وبقلبي، وتذكّرته وأذكرته غيري وذكّرته بمعنى (واحد) قال الله تعالى وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ (يوسف/ ٤٥) أي ذكره بعد نسيان وأصله اذتكر فأدغم، والتّذكرة ما تستذكر به الحاجة «١» ... ونقل في اللّسان عن الفرّاء قوله:

يكون الذّكرى بمعنى الذّكر، ويكون بمعنى التّذكّر، في قوله تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (الذاريات/ ٥٥) ، والذّكر والذّكرى، بالكسر:

نقيض النّسيان، وكذلك الذّكرة «٢» .

[واصطلاحا:]

قال ابن القيّم- رحمه الله- في منزلة التّذكّر:

والتّذكّر تفعّل من الذّكر، وهو ضدّ النّسيان، وهو حضور صورة المذكور العلميّة في القلب، واختير له بناء التّفعّل لحصوله بعد مهلة وتدرّج، كالتّبصّر والتّفهّم والتّعلّم.

[العلاقة بين التذكر والتفكر:]

قال ابن القيّم: فمنزلة التّذكّر من التّفكّر منزلة حصول الشّيء المطلوب بعد التّفتيش عليه، ولهذا كانت آيات الله- المتلوّة والمشهودة ذكرى، كما قال في المتلوّة وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ* هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (غافر/ ٥٣- ٥٤) وقال عن القرآن: وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (الحاقة/ ٤٨) ، وقال في آياته المشهودة:

أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ* وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ* تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (ق/ ٦- ٨) .

فالتّبصرة آلة البصر، والتّذكرة آلة الذّكر، وقرن بينهما وجعلهما لأهل الإنابة؛ لأنّ العبد إذا أناب إلى الله أبصر مواقع الايات والعبر، فاستدلّ بها على ما هي آيات له. فزال عنه الإعراض بالإنابة، والعمى بالتّبصرة، والغفلة بالتّذكرة؛ لأنّ التّبصرة توجب له حصول صورة المدلول في القلب بعد غفلته عنها.

فترتيب المنازل الثّلاثة أحسن ترتيب، ثمّ إنّ كلّا منها يمدّ صاحبه ويقوّيه ويثمره.

وقال تعالى في آياته المشهودة: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ «٣» إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق/ ٣٦- ٣٧) .


(١) الصحاح (٢/ ٥٦٥) .
(٢) لسان العرب (٤/ ٣٠٨- ٣٠٩) ، المصباح المنير (١/ ٢٢٣) .
(٣) محيص: أي محيد ومهرب. انظر تفسير الطبري (١٧/ ٢٣) .