للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل في اختتام هذه الصّلاة بهذين الاسمين من أسماء الرّبّ سبحانه وتعالى وهما: «الحميد والمجيد»

الحميد: فعيل من الحمد، وهو بمعنى محمود، وأكثر ما يأتي فعيلا في أسمائه تعالى بمعنى فاعل، كسميع، وبصير، وعليم، وقدير، وعليّ، وحكيم، وحليم، وهو كثير، وكذلك فعول، كغفور، وشكور، وصبور.

فالحميد هو الّذي له من الصّفات وأسباب الحمد ما يقتضي أن يكون محمودا وإن لم يحمده غيره، فهو حميد في نفسه، والمحمود من تعلّق به حمد الحامدين، وهكذا المجيد والممجّد، والكبير والمكبّر، والعظيم والمعظّم، والحمد والمجد إليهما يرجع الكمال كلّه، فإنّ الحمد يستلزم الثّناء والمحبّة للمحمود، فمن أحببته ولم تثن عليه، لم تكن حامدا له حتّى تكون مثنيا عليه محبّا له، وهذا الثّناء والحبّ تبع للأسباب المقتضية له، وهو ما عليه المحمود من صفات الكمال، ونعوت الجلال والإحسان إلى الغير، فإنّ هذه هي أسباب المحبّة، وكلّما كانت هذه الصّفات أجمع وأكمل، كان الحمد والحبّ أتمّ وأعظم، والله سبحانه له الكمال المطلق الّذي لا نقص فيه بوجه مّا، والإحسان كلّه له ومنه، فهو أحقّ بكلّ حمد، وبكلّ حبّ من كلّ جهة، فهو أهل أن يحبّ لذاته ولصفاته ولأفعاله ولأسمائه ولإحسانه، ولكلّ ما صدر منه سبحانه وتعالى.

وأمّا المجد، فهو مستلزم للعظمة والسّعة والجلال، والحمد يدلّ على صفات الإكرام، والله سبحانه وتعالى ذو الجلال والإكرام، وهذا معنى قول العبد «لا إله إلّا الله والله أكبر» فلا إله إلّا الله دالّ على ألوهيّته وتفرّده فيها، فألوهيّته تستلزم محبّته التّامّة «الله أكبر» دالّ على مجده وعظمته، وذلك يستلزم تمجيده وتعظيمه وتكبيره، ولهذا يقرن سبحانه بين هذين النّوعين في القرآن كثيرا، كقوله: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ «١» . وقوله تعالى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً»

، فأمر بحمده وتكبيره. وقال تعالى: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ «٣» . وقال تعالى: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ «٤» .


(١) سورة هود: ٧٣.
(٢) سورة الإسراء: ١١١.
(٣) سورة الرحمن: ٧٨.
(٤) سورة الرحمن: ٢٧.