للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كمال في المخلوقات من أثر كماله، وكلّ كمال ثبت لمخلوق فالخالق أحقّ به، وكلّ نقص تنزّه عنه مخلوق فالخالق أحقّ بتنزيهه عنه، لقد ثبت في الحديث الشّريف أنّ لله أسماء استأثر بها «١» في علم الغيب عنده، وأسماء الله متضمّنة لصفاته، وليست أسماء أعلام محضة، وإذا كان من أسمائه ما اختصّ هو بمعرفته، ومن أسمائه ما خصّ به ما شاء من عباده، علم أنّ تفاضل النّاس في معرفته أعظم من تفاضلهم في معرفة كلّ ما يعرفونه «٢» .

طرق المعرفة بالله عزّ وجلّ:

قال ابن القيّم: الرّبّ تعالى يدعو عباده في القرآن الكريم إلى معرفته من طريقين:

أحدهما: النّظر في مفعولاته.

والثّاني: التّفكّر في آياته وتدبّرها، فتلك «٣» وهذه آياته المسموعة المعقولة.

فالنّوع الأوّل كقوله سبحانه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ (البقرة/ ١٦٤) ، وقوله عزّ من قائل: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (آل عمران/ ١٩٠) . ومثل هذا كثير في القرآن «٤» .

الثّاني: كقوله سبحانه: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ (النساء/ ٨٢) .

وقوله عزّ من قائل: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ (المؤمنون/ ٦٨) ، وقوله سبحانه: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ (ص/ ٢٩) وهو كثير أيضا «٥» .

فأمّا المفعولات فإنّها دالّة على الأفعال، والأفعال دالّة على الصّفات، فإنّ المفعول يدلّ على فاعل فعله، وذلك يستلزم وجوده وقدرته ومشيئته وعلمه لاستحالة صدور الفعل الاختياريّ من معدوم، أو موجود لا قدرة له ولا حياة، ولا علم ولا إرادة، ثمّ ما في المفعولات من التّخصيصات المتنوّعة دالّ على إرادة الفاعل، وأنّ فعله ليس بالطّبع بحيث يكون واحدا غير متكرّر، وما فيها «٦» من المصالح


(١) جاء في الحديث الذي رواه ابن مسعود عن النبي صلّى الله عليه وسلّم « ... أسألك بكل اسم سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقلك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري ... إلخ» انظر الحديث. كلاملا في مجمع الزوائد ١٠/ ١٣٦، وفي المسند ٥ (٣٧١٢) ، قال شاكر: إسناده صحيح.
(٢) بتصرف واختصار عن الفتاوى ٧/ ٥٦٩- ٥٧١
(٣) تلك: إشارة إلى مفعولات الله أي مخلوقاته، وهذه: إشارة إلى آي القرآن الكريم.
(٤) ذكر الإمام الغزالي في الإحياء آيات أخرى عديدة ورد فيها ذكر عجائب صنعته سبحانه، ثم قال: ليس يخفى على من له أدنى مسكة من عقل إذا تأمل بأدنى فكرة مضمون هذه الآيات وأدار نظره على عجائب خلق الله في الأرض والسماوات، وبدائع فطرة الحيوانات والنبات، أن هذا الأمر العجيب والترتيب المحكم لا يستغني عن صانع يدبره، وفاعل يحكمه ويقدره، بل تكاد فطرة النفوس تشهد بكونها مقهورة تحت تسخيره ومصرّفة بمقتضى تدبيره (إحياء علوم الدين ١/ ١٠٥) .
(٥) انظر صفة تدبر القرآن.
(٦) أي ما في مصنوعات الله ومخلوقاته.