للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجملة القول، أن القرآن الكريم يشتمل على كثير من القصص التربوية، التي تسهم إسهاما فعالا في تحقيق أهداف التربية الإسلامية، وذلك لأنها تضع المثل أمام المتعلمين، مما يساعد على غرس كثير من القيم التربوية السامية في نفوسهم، وتتميز القصة في القرآن بأنّها تمد القرّاء والجماعات بالقيم الإسلامية الصادقة النابعة منه.

[القصة في الحديث الشريف:]

لقد أدرك الرسول العربي صلّى الله عليه وسلّم الميل الفطري إلى القصة، وأدرك ما لها من تأثير ساحر على القلوب، فاستغلها لتكون وسيلة من وسائل التربية والتقويم. والقصة الهادفة المربية «سلاح نفسي في الدعوة المحمدية إلى عقيدة التوحيد، وفي إقناع المخالفين عن طريق الجدل والحوار بسمو بهذه العقيدة ونبل أهدافها «١» .

وفي الحديث الشريف، قصة موسى- عليه السلام- والخضر، التي وردت في القرآن الكريم، جاء بها الحديث مبينا دقائقها كما حدّث به الرسول صلّى الله عليه وسلّم، مستخدما هذه القصة- التي وقعت فعلا- في التربية العقلية للإنسان المسلم، ففي هذه القصة «جواز التمادي في العلم إذا كان كل واحد يطلب الحق ولم يكن تعنتا- الرجوع إلى قول أهل العلم عند التنازع، كما يجب على العالم الرغبة في التزود من العلم والحرص عليه، وألا يقنع بما عنده، كما لم يكتف موسى عليه الصلاة والسلام بعلمه.

ويجب التواضع، لأن الله تعالى عاتب موسى- عليه السلام- حين لم يرد العلم إليه وأراه من هو أعلم منه، والرحلة في طلب العلم» «٢» . وفي الحديث: «حدثنا أبي بن كعب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل أي الناس أعلم: فقال: أنا، فعتب الله عليه، إذ لم يرد إليه العلم ... » «٣» .

وقد تستخدم القصة في الحديث الشريف كوسيلة من وسائل تنمية الأخلاق الإسلامية، وعلى سبيل المثال هناك قصة أوردها الحديث الشريف عن «ثلاثة الأخوة الذين أووا للمبيت إلى الغار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار» «٤» . في هذه القصة تربية خلقية وآداب اجتماعية، ففيها احترام الأبوين والعفة والطهارة، وأداء الحق إلى أصحابه ومخافة الله ومهابته، إيمانا حقيقيّا خالصا به.

وهناك أمثلة أخرى متعددة لا مجال هنا للحديث عنها «٥» .

وهكذا استخدم الرسول صلّى الله عليه وسلّم القصة، وترسم خطى القرآن في توظيف القصة من أجل نشر الوعي


(١) التهامي نفرة: سيكلوجية القصة في القرآن، رسالة دكتوراة، (الحلقة الثالثة) ، ص ٢٣٧.
(٢) العيني: عمدة القارىء، شرح صحيح البخاري، المجلد الأول (أجزاء ١- ٢) ، كتاب العلم، ص ٦٤، ٦٥.
(٣) انظر الحديث الشريف: صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق، الجزء الرابع، ص ١٨٣.
(٤) انظر الحديث الشريف: صحيح البخاري، كتاب الإجارة، الجزء الثالث، ص ١١٩، ١٢٤.
(٥) يمكن الرجوع إلى: سيد أحمد طهطاوي: القيم التربوية في القصص القرآني، مرجع سابق.