للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والفقرة الأخيرة تشير إلى إقرار الوثيقة لمبدأ الجوار الذي كان معروفا قبل الإسلام، فقد أتاحت لكل مسلم أن يجير، وألزمت المجتمع الإسلامي بأن لا يخفر جواره، وحصرت الموالاة بين المؤمنين. غير أن الوثيقة استثنت من بقي على الشرك من قبائل الأوس والخزرج من إجارة قريش وتجارتها، أو الاعتراض على تصدي المسلمين لها، فذكرت بأنه:

«لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا، ولا يحول دونه على مؤمن» «١» .

وقد بينت المعاهدة أن إعلان حالة السلم والحرب هي من اختصاص النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأنّ «سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلّا على سواء وعدل بينهم» «٢» .

ثم بيّنت الوثيقة عقوبة القتل العمد حيث جاء فيها: «وأنه من اعتبط «٣» . مؤمنا قتلا عن بدنة فإنه قود به إلّا أن يرضى ولي المقتول، وأن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلّا قيام عليه» «٤» .

وأخيرا فقد أصبح الرسول بموجب هذه الوثيقة هو المرجع الوحيد للفصل في كل خلاف قد يقع بين أطراف التعاقد (المسلمين وحلفائهم) في المدينة: «وأنه مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله وإلى محمد صلّى الله عليه وسلّم» «٥» .

[الجهاد: انتشار الإسلام:]

١- الجهاد:

قامت دولة الإسلام في المدينة النبوية، وشرع الله سبحانه وتعالى الجهاد، وكانت البداية للدفاع عن النفس، قال تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ «٦» .

وقال تعالى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ «٧» .

واخيرا شرع قتال العدو الكافر من أجل التمكين للعقيدة من الانتشار دون عقبات، ومن أجل صرف الفتنة عن الناس ليتمكنوا من اختيار الدين الحق بإرادة حرّة، فقال تعالى: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ «٨» .

ولم تكن العقيدة تفرض بالقوة على سكان المناطق التي يفتحها المجاهدون، فقد كانوا يخيرون باديء ذي بدء بين أن يسلموا، أو يحافظوا على دينهم ويدفعوا الجزية، أو يأذنوا بالحرب. وسمح لمن رغب من أهل الكتاب بالمحافظة على دياناتهم بذلك وقد التزم المقاتلون المسلمون بضوابط الحق والعدل والرحمة، فسجل التاريخ لهم انضباطهم الدقيق، حيث لم ترد أية إشارة إلى قيامهم بالمجازر أو سلب الأموال. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبيّن


(١) الفقرة (٢٠) من الوثيقة.
(٢) الفقرة (١٧) من الوثيقة.
(٣) أي قتله بدون مبرر أو جناية توجب قتله، انظر لسان العرب ٧/ ٣٤٨.
(٤) الفقرة (٢١) من الوثيقة.
(٥) الفقرة (٢٣) من الوثيقة.
(٦) القرآن الكريم- سورة الحج، الأية/ ٣٩.
(٧) القرآن الكريم- سورة البقرة، الأية/ ١٩٠.
(٨) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الأية/ ٣٩.