للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منه درجة وأرفع منزلة، ولذلك قال عمر بن عبد العزيز لدكين الرّاجز: إنّ لي نفسا توّاقة، فإذا بلغك أنّي صرت إلى أشرف من منزلتي هذه، فبعين ما أرينّك- قال له ذلك وهو عامل المدينة لسليمان بن عبد الملك- فلمّا صارت إليه الخلافة قدم عليه دكين، فقال له: أنا كما أعلمتك أنّ لي نفسا توّاقة، وأنّ نفسي تاقت إلى أشرف منازل الدّنيا، فلمّا بلغتها وجدتها تتوق لأشرف منازل الآخرة.

وفي هذا المعنى:

والحرّ لا يكتفي من نيل مكرمة ... حتّى يروم الّتي من دونها العطب

يسعى به أمل من دونه أجل ... إن كفّه رهب يستدعه رغب

لذاك ما سال موسى ربّه أرني ... أنظر إليك وفي تساله عجب

يبغي التّزيّد فيما نال من كرم ... وهو النّجيّ لديه الوحي والكتب «١»

[علو الهمة وكبر الهمة وعظم الهمة:]

يعبّر عن هذه الصّفة أحيانا بعظم الهمّة وأحيانا بكبر الهمّة، أمّا عكس ذلك فهو «صغر الهمّة» ، ومن هنا فإنّ تعريف عظم الهمّة أو كبر الهمّة هو نفسه تعريف لعلوّ الهمّة.

مجالات علوّ الهمّة:

ذكر صاحب كتاب (علوّ الهمّة) أنّ لهذا العلوّ مجالات خمس: طلب العلم، العبادة والاستقامة، البحث عن الحقّ، الدّعوة إلى الله تعالى، والجهاد في سبيل الله، وسنوجز القول في هذه المجالات كما يلي «٢» :

المجال الأوّل: طلب العلم: يتمثّل علوّ الهمّة في طلب العلم في:

١- غيرة على الوقت أن ينفق في غير فائدة.

٢- عزم يبلى الجديدان وهو صارم صقيل «٣» .

٣- حرص لا يشفي غليله إلّا أن يغترف من موارد العلوم بأكواب طافحة.

٤- غوص في البحث لا تحول بينه وبين نفائس العلوم وعورة المسلك، ولا طول مسافة الطّريق.

٥- ألسنة مهذّبة لا تقع في لغو ولا مهاترة لأنّها شغلت بالحقّ فأشغلها عن الباطل.

لقد كان السّلف الصّالح- رضوان الله عليهم- المثل الأعلى في علوّ الهمّة في طلب العلم، وكان على رأسهم عمر بن الخطّاب، وعبد الله بن عبّاس ومحمّد ابن إدريس الشّافعيّ وأحمد بن حنبل، وغيرهم كثير، فعمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-


(١) وسائل الإصلاح للخضر حسين (ص ٨٥- ٩٥) باختصار.
(٢) من يريد التفصيل عليه بالرجوع إلى كتاب الشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم، وعنوانه «علو الهمة» وهو مطبوع في الرياض بالمملكة العربية السعودية ١٤١٦ هـ، الباب الرابع (٣١٤- ٣٢٤) .
(٣) الجديدان هما الليل والنهار، والصارم: السيف.