للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ «١» .

بيّن حبر الأمة عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- حصار المشركين لبيت النبي صلّى الله عليه وسلّم ابتغاء قتله، ومبيت علي ابن أبي طالب- رضي الله عنه- في فراشه. كما أورد خبر انتقال النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى غار جبل ثور، وقيام المشركين بقص أثره إلى الغار، ورؤيتهم نسيج العنكبوت على مدخله وتركهم التحري فيه، ولكن هذه الرواية لا تصلح للاحتجاج بها وإن كانت هي «أجود ما روي في قصة نسيج العنكبوت على فم الغار» «٢» . وقد ورد، إضافة إلى ذلك، حديث آخر ضعيف جدّا بشأن الشجرة التي نبتت في وجه الغار والحمامتين الوحشيتين اللتين وقعتا بفم الغار، وقد تسربت هذه الأخبار وأمثالها في العديد من كتب الحديث والسيرة «٣» .

[الإذن بالهجرة:]

وحين أمر الله تعالى رسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم بالهجرة إلى يثرب، جاء صلّى الله عليه وسلّم متقنعا إلى منزل أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- في وقت لم يعتد أن يزوره فيه، في نحر الظهر، وهو أشد ما يكون في حرارة النهار، وقد روت أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- وقائع ما جرى، فقالت: «فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متقنعا، في ساعة لم يكن يأتينا فيها. فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر» . قالت: فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستأذن، فأذن له، فدخل، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر:

أخرج من عندك، فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، قال: فإنّي قد أذن لي في الخروج، فقال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: نعم، قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتيّ هاتين، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالثّمن، قالت عائشة: فجهزناهما أحثّ الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين، قالت: ثم لحق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر بغار في جبل ثور فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شابّ ثقف لقن، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرا يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحهما عليها حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما «٤» - حتى ينعق بها عامر بن فهيره بغلس، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث. واستأجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر- رضي الله عنه- رجلا


(١) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآية/ ٣٠، وانظر أحمد- المسند ٥/ ٨٧. وقد بينت رواية ضعيفة بسبب الإرسال قصة اجتماع المشركين على باب دار الرسول صلّى الله عليه وسلّم لمراقبته والتهيؤ لقتله، وخروجه إليهم دون أن يروه وذره التراب على رؤوسهم (ابن هشام- السيرة ١/ ٤٨٣ بسند صحيح إلى محمد بن كعب القرظي) ، ولكنه مرسل.
(٢) أحمد- المسند ١/ ٣٤٨ بإسناد ضعيف، وقد حسّنه ابن كثير- البداية والنهاية ٣/ ١٧٩، كما حسّنه ابن حجر في فتح الباري ٧/ ٢٣٦، والزرقاني- شرح المواهب ١/ ٣٢٣، ويرى الألباني أنه لا يصح حديث في العنكبوت والحمامتين، سلسلة الأحاديث الضعيفة ٣/ ٣٣٩.
(٣) ابن سعد- الطبقات ١/ ٢٢٩، البزار- المسند ٢/ ٢٣٢، وتسرب الحديث في المعجم الكبير للطبراني ٢٠/ ٤٤٣، ودلائل النبوة لأبي نعيم ٦/ ٢٦٩- ٢٧٠، ودلائل النبوة للبيهقي ٢/ ٢٣١، والبداية والنهاية لابن كثير ٣/ ١٨١، وشرح المواهب اللدنّية للزرقاني ١/ ٣٣.
(٤) اللبن المرضون هو الذي طرحت منه الرضفة وهي الحجارة المحماة التي تذهب وخامته.