للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثعلب: البغي أن يقع الرّجل في الرّجل فيتكلّم فيه، ويبغي عليه بغير الحقّ، والباغي اسم فاعل من البغي، قال تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ (البقرة:

١٧٣) قيل في معناه، أي أنّه غير طالب ما ليس له طلبه، وقيل: اضطّرّ جائعا غير باغ أكلها تلذّذا، وقيل:

غير باغ: أي غير طالب مجاوزة قدر حاجته، وقيل غير باغ على الإمام وغير متعدّ على أمّته، قال القرطبيّ:

ويدخل في الباغي والعادي، قطّاع الطّرق والخارج على السّلطان والمسافر في قطع الرّحم، والغارة على المسلمين وما شاكله «١» ، ويقال: فلان يبغي على النّاس:

إذا ظلمهم وطلب أذاهم، ومن البغي الّذي هو مجاوزة الحدّ ما جاء في حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- من قوله لرجل: أنا أبغضك، قال: لم؟ قال: لأنّك تبغي في أذانك. أراد التّطريب فيه والتّمديد، وقال بعضهم: بغى على أخيه بغيا: حسده، والبغي: قصد الفساد.

[البغي اصطلاحا:]

هو طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى، تجاوزه أو لم يتجاوزه. فتارة يعتبر في القدر الّذي هو الكمّيّة، وتارة يعتبر في الوصف الّذي هو الكيفيّة «٢» .

وقال المناويّ: البغيّ: هو طلب الاستعلاء بغير حقّ، ونسب هذا التّعريف إلى الحرّاليّ «٣» . وقال الكفويّ: البغي: طلب تجاوز قدر الاستحقاق، تجاوزه (الباغي) أو لم يتجاوزه، ويستعمل في المتكبّر لأنّه طالب منزلة ليس لها بأهل «٤» .

وقال التّهانويّ: الباغي شرعا: هو الخارج عن طاعة الإمام الحقّ «٥» ، ومن ثمّ يكون البغي: هو الخروج عن طاعة الإمام الحقّ.

[أنواع البغي:]

والبغي على ضربين:

أحدهما محمود، وهو تجاوز العدل إلى الإحسان والفرض إلى التّطوّع.

والثّاني مذموم، وهو تجاوز الحقّ إلى الباطل أو تجاوزه إلى الشّبه؛ كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «إنّ الحلال بيّن، وإنّ الحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات، ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه» .

ولأنّ البغي قد يكون محمودا ومذموما. قال تعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (الشورى/ ٤٢) فخصّ العقوبة بمن بغيه بغير الحقّ «٦» .

[حكم البغي وأثره في الفرد والمجتمع:]

البغي بمعنى الخروج على الإمام- ولو جائرا- بلا تأويل أو مع تأويل يقطع ببطلانه هو إحدى الكبائر كما قال ابن حجر «٧» ، أمّا البغي بمعناه العامّ: أي تجاوز قدر الاستحقاق أو طلب الاستعلاء بغير حقّ، فهو أيضا من الكبائر الباطنة الّتي يجب على المكلّف معرفتها


(١) تفسير القرطبي (٧/ ١٢٨) ، ولسان العرب بغى (٣٢٢) ط. دار المعارف.
(٢) المفردات للراغب (٥٥) .
(٣) التوقيف (٨١) .
(٤) الكليات (٥٨٤) .
(٥) كشاف اصطلاحات الفنون (١/ ٢٢٧) .
(٦) بصائر ذوي التمييز (٢/ ٢٦٢) .
(٧) انظر «الكبيرة السادسة والثلاثون بعد الثلاثمائة» في الزواجر (٥١٣) .