للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأحاديث الواردة في ذمّ (الإعراض)

١-* (عن أبي واقد اللّيثيّ- رضي الله عنه- أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينما هو جالس في المسجد والنّاس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذهب واحد. قال: فوقفا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأمّا أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأمّا الآخر فجلس خلفهم، وأمّا الثّالث فأدبر ذاهبا.

فلمّا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «ألا أخبركم عن النّفر الثّلاثة؟ أمّا أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله، وأمّا الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأمّا الآخر فأعرض فأعرض الله عنه» ) * «١» .

٢-* (عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصّامت- رضي الله عنه- قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحيّ من الأنصار، قبل أن يهلكوا. فكان أوّل من لقينا أبا اليسر، صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ومعه غلام له، معه ضمامة من صحف. وعلى أبي اليسر بردة ومعافري «٢» ، وعلى غلامه بردة ومعافريّ. فقال له أبي: يا عمّ! إنّي أرى في وجهك سفعة من غضب «٣» . قال: أجل. كان لي على فلان ابن فلان الحراميّ مال، فأتيت أهله فسلّمت، فقلت: ثمّ هو؟ قالوا: لا. فخرج عليّ ابن له جفر «٤» فقلت له:

أين أبوك؟ قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمّي، فقلت: اخرج إليّ، فقد علمت أين أنت. فخرج.

فقلت: ما حملك على أن اختبأت منّي؟ قال: أنا، والله! أحدّثك، ثمّ لا أكذبك. خشيت، والله أن أحدّثك فأكذبك. وأن أعدك فأخلفك. وكنت صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وكنت والله! معسرا. قال قلت: آلله. قال: آلله قلت: آلله. قال: آلله. قلت: آلله. قال: آلله. قال: فأتى بصحيفته فمحاها بيده. فقال: إن وجدت قضاء فاقضني، وإلّا أنت في حلّ. فأشهد بصر عينيّ هاتين، (ووضع إصبعيه على عينيه) وسمع أذنيّ هاتين، ووعاه قلبي هذا (وأشار إلى مناط قلبه) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: «من أنظر معسرا، أو وضع عنه، أظلّه الله في ظلّه» . قال: فقلت له أنا: يا عمّ لو أنّك أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريّك، وأخذت معافريّه وأعطيته بردتك، فكانت عليك حلّة وعليه حلّة. فمسح رأسي وقال: اللهمّ بارك فيه. يا ابن أخي بصر عينيّ هاتين، وسمع أذنيّ هاتين ووعاه قلبي هذا (وأشار إلى مناط قلبه) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول:

«أطعموهم ممّا تأكلون، وألبسوهم ممّا تلبسون» وكان أن أعطيته من متاع الدّنيا أهون عليّ من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة. ثمّ مضينا حتّى أتينا جابر بن عبد الله في مسجده، وهو يصلّي في ثوب واحد، مشتملا به، فتخطّيت القوم حتّى جلست بينه وبين القبلة.

فقلت: يرحمك الله! أتصلّي في ثوب واحد ورداؤك إلى


(١) البخاري- الفتح ١ (٦٦) واللفظ له. ومسلم (٢١٧٦) .
(٢) معافري: نوع من الثياب يعمل بقرية تسمى معافر.
(٣) سفعة من غضب: هي بفتح السين المهملة وضمها: لغتان. أي علامة وتغير.
(٤) جفر: الجفر. هو الذي قارب البلوغ.