للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحياة والنفس الإنسانية بقلم: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح

مؤسس ومدير عام دار الوسيلة للنشر والتوزيع

[تمهيد]

الحمد لله الذي خلق فسوى وقدّر فهدى، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.. وبعد:

فقد اشتملت هذه الموسوعة على مكارم أخلاق الرسول صلّى الله عليه وسلّم التي تشكل فيما بينها (منظومة أخلاق متكاملة) تصلح بها أمور الإنسان في الدنيا والآخرة، ولما كان الأخذ بمعالي الأخلاق ومكارمها يستلزم- ضرورة- التخلي عن مذمومها من حيث كونهما ضدان لا يجتمعان، كان لا بد من الحرص على إبراز هذه الأخلاق المذمومة التي نهى عنها الشارع الحكيم، وبذلك تتوفر لقارىء هذه الموسوعة قاعدة علمية شاملة تضم الأمرين جميعا: المأمور به والمنهي عنه في القرآن والسنة، وهنا يتحقق شرط الإلزام الخلقي الأساسي، ألا وهو المعرفة النافية للجهالة «١» .

وبهذه المعرفة تتحدد المعايير الضرورية التي تضبط حركة السلوك الإنساني في هذه الحياة، بيد أن هذه المعرفة وحدها غير كافية، إذ ينبغي على المؤمن أن يربط القول بالعمل، والمعرفة بالسلوك، بحيث لا يكون القول مجرد كلام لا جدوى منه، وتكون المعرفة مجرد إطار نظري لا فائدة منها، ذلك أن اقتران القول بالعمل والمعرفة بالممارسة قاعدة إسلامية أقرها القرآن الكريم في قول الله سبحانه:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ «٢» .

وقد كانت حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم تجسيدا عمليا لكل ما كان يدعو الناس إليه من مكارم الأخلاق وحميد الصفات فكان صلّى الله عليه وسلّم مثالا يحتذى في عدله ورحمته وبره، وكانت بعثته صلّى الله عليه وسلّم في جوهرها لإتمام هذا الجانب التطبيقي المتمثل في تتميم مكارم الأخلاق، قولا وفعلا، دعوة وممارسة، يقول عليه الصلاة والسلام: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» «٣» . و «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» . وربط عليه الصلاة والسلام بين كمال الإيمان وحسن الخلق، فقال: «إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» «٤» . ونبه عليه الصلاة والسلام على أهمية سلوك الخير وفعله فقال:

«ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن» «٥» .

[تكليف الإنسان وابتلاؤه]

لقد كرم الله الإنسان، فخلقه بيديه، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وفضله على كثير ممن خلق، وأعطاه نعمة العقل، وزوده بنور الفطرة، وجعل خلقته قابلة للتكليف، إن فعل الخير أثيب، وإن فعل الشر


(١) انظر شروط الإلزام الخلقي وخاصة ما يتعلق بالمعرفة في «النظرية الخلقية عند ابن تيمية» ص ١٣٦ وانظر أيضا ص ١٠٠ وما بعدها من هذه الموسوعة.
(٢) الصف/ ٢- ٣.
(٣) انظر صفة حسن الخلق، حديث رقم (٨) .
(٤) انظر صفة حسن الخلق، حديث رقم (٣) .
(٥) انظر صفة حسن الخلق، حديث رقم (١٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>