به بين الهدى والضّلال، والغيّ والرّشاد، وتعطيه قوّة في قلبه، وحياة واسعة وانشراحا وبهجة وسرورا.
فيصير في شأن والنّاس في شأن آخر.
فإنّ معاني القرآن دائرة على التّوحيد وبراهينه، والعلم بالله وما له من أوصاف الكمال، وما ينزّه عنه من سمات النّقص، وعلى الإيمان بالرّسل، وذكر براهين صدقهم، وأدلّة صحّة نبوّتهم، والتّعريف بحقوق مرسلهم، وعلى الإيمان بملائكته، وهم رسله في خلقه وأمره، وتدبيرهم الأمور بإذنه ومشيئته، وما جعلوا عليه من أمر العالم العلويّ والسّفليّ، وما يختصّ بالنّوع الإنسانيّ منهم، من حين يستقّر في رحم أمّه إلى يوم يوافي ربّه ويقدم عليه، وعلى الإيمان باليوم الاخر وما أعدّ الله فيه لأوليائه من دار النّعيم المطلق، الّتي لا يشعرون فيها بألم ولا نكد ولا تنغيص. وما أعدّ لأعدائه من دار العقاب الوبيل، الّتي لا يخالطها سرور ولا رخاء ولا راحة ولا فرح. وتفاصيل ذلك أتمّ تفصيل وأبينه. وعلى تفاصيل الأمر والنّهي، والشّرع والقدر، والحلال والحرام، والمواعظ والعبر، والقصص، والأمثال، والأسباب، والحكم، والمبادىء، والغايات، في خلقه وأمره.
فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربّه بالوعد الجميل، وتحذّره وتخوّفه بوعيده من العذاب الوبيل، وتحثّه على التّضمّر والتّخفّف للقاء اليوم الثّقيل، وتهديه في ظلم الاراء والمذاهب إلى سواء السّبيل.
وتصدّه عن اقتحام طرق البدع والأضاليل وتبعثه على الازدياد من النّعم بشكر ربّه الجليل، وتبصّره بحدود الحلال والحرام، وتوقفه عليها لئلّا يتعدّاها فيقع في العناء الطّويل، وتثبّت قلبه عن الزّيغ والميل عن الحقّ والتّحويل. وتسهّل عليه الأمور الصّعاب والعقبات الشّاقّة غاية التّسهيل. وتناديه كلّما فترت عزماته، وونى في سيره: تقدّم الرّكب وفاتك الدليل. فاللّحاق اللّحاق، والرّحيل الرّحيل، وتحدو به وتسير أمامه سير الدّليل. وكلّما خرج عليه كمين من كمائن العدوّ أو قاطع من قطّاع الطّريق نادته: الحذر الحذر، فاعتصم بالله، واستعن به، وقل: حسبي الله ونعم الوكيل.
وفي تأمّل القرآن وتدبّره، وتفهّمه أضعاف أضعاف ما ذكرنا من الحكم والفوائد «١» .
[من فوائد (التدبر)]
(١) يفضي إلى رسوخ الإيمان في القلب.
(٢) يجعل الإنسان راغبا راهبا.
(٣) النّجاة من الغرور.
(٤) الحزم والفطنة من ثمراته.
(٥) دقّة التّمييز بين الطّيّب والخبيث والفاسد والصّحيح.