للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكريم من أسماء المولى عزّ وجلّ وصفاته:

قال الغزاليّ: الكريم: هو الّذي إذا قدر عفا، وإذا وعد وفّى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرّجاء، ولا يبالي كم أعطى، ولا من أعطى، وإن رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى، وإذا جفي عاتب وما استقصى، ولا يضيع من لاذبه والتجأ، ويغنيه عن الوسائل والشّفعاء، فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتكلّف فهو الكريم المطلق وذلك هو الله تعالى، فقط «١» .

[تكريم الإنسان اصطلاحا:]

قال القرطبيّ ما خلاصته: تكريم الإنسان هو ما جعله الله له من الشّرف والفضل وهذا هو كرم نفي النقصان لا كرم المال «٢» .

وقال الطّبريّ: تكريم الإنسان (بني آدم) هو تسليط الله عزّ وجلّ إيّاهم على غيرهم من الخلق، وتسخيره سائر الخلق لهم «٣» .

وقال ابن كثير: تكريم الله للإنسان يتجلّى في خلقه له على أحسن الهيئات وأكملها وفي أن جعل له سمعا وبصرا وفؤادا، يفقه بذلك كلّه وينتفع به ويفرّق بين الأشياء ويعرف منافعها وخواصّها ومضارّها في الأمور الدّينيّة والدّنيويّة «٤» .

وقال أبو حيّان: تكريم بني آدم: جعلهم ذوي كرم بمعنى الشّرف والمحاسن الجمّة، كما تقول: ثوب كريم وفرس كريم أي جامع للمحاسن وليس من كرم المال (في شيء) .

وقال- رحمه الله- وما جاء عن أهل التّفسير من تكريمهم وتفضيلهم بأشياء ذكروها هو على سبيل التّمثيل لا الحصر في ذلك «٥» .

[أنواع التكريم:]

للتّكريم أنواع عديدة يمكن تلخيصها في أمور ثلاثة هي: تكريم الله للإنسان، وتكريم الإنسان لنفسه، وتكريم الإنسان لأخيه الإنسان.

[أولا: تكريم الله للإنسان:]

لتكريم الله للإنسان صور عديدة لا يمكن إحصاؤها نذكر منها مايلي:- ١- اختصّ الله الإنسان بأن خلقه بيديه إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ* فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (ص/ ٧١- ٧٤) . ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (السجدة/ ٩) . وهذا يدلّ على علوّ مكانة الرّوح الّتي حلّت في الإنسان وأنّ لها منزلة سامية، وكرّمه بذلك الاستقبال الفخم الّذي استقبله به الوجود، وبذلك الموكب الّذي تسجد فيه الملائكة ويعلن فيه الخالق جلّ شأنه تكريم هذا الإنسان، بقوله عزّ من قائل: ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (الأعراف/ ١١) .

٢- الصّورة الحسنة، مصداق ذلك قوله تعالى وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ* (التغابن/ ٣) . والقامة المعتدلة، كما قال عزّ وجلّ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي


النهاية (٤/ ١٦٧) ، وفي روآية ابن ماجه اذا أتاكم كريم كرم، سنن ابن ماجه (٣٧١٢)
(١) المقصد الأسنى ص ١١٧.
(٢) تفسير القرطبي (١٠/ ٢٩٣) .
(٣) تفسير الطبري (١٥/ ٨٥) .
(٤) بتصرف عن تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٣/ ٥٥) .
(٥) البحر المحيط لأبي حيان (٦/ ٥٨) .