للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإخاء في القرآن:]

ذكر أهل التّفسير أنّ الأخ في القرآن ورد على خمسة أوجه:

أحدها: الأخ من الأب والأمّ أو من أحدهما: ومنه قوله تعالى في سورة النّساء فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ (آية/ ١١) . وفي المائدة فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ (آية/ ٣٠) .

والثّاني: من القبيلة: ومنه قوله تعالى وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً (الأعراف/ ٦٥) ، وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً (الأعراف/ ٧٣) ، وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً (هود/ ٨٤) .

والثّالث: في الدّين والمتابعة: ومنه قوله تعالى في آل عمران فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً (آية/ ١٠٣) ، وفي الحجرات إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (آية/ ١٠) .

والرّابع: في المودّة والمحبّة: ومنه قوله تعالى في «الحجر» وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً (آية/ ٤٧) .

والخامس: الصّاحب: ومنه قوله تعالى في (ص) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً (آية/ ٢٣) «١» .

وأيّا كانت المعاني، فإنّ من طبيعة الإنسان أن يكون آلفا مألوفا، ذلك أنّه يستعين من خلال الألفة على أداء الرّسالة المنوطة به في الدّنيا لتحقيق أهداف الاستخلاف، والمؤاخاة من أهمّ أسباب حدوث الألفة بين النّاس، لأنّها كما يقول الماورديّ: «تكسب بصادق الميل إخلاصا، ومصافاة، وتحدث بخلوص المصافاة وفاء ومحاماة» «٢» .

وإذا كان الدّين أكبر باعث على المؤاخاة والتّآخي، فإنّه بذلك يعزّز الألفة والتّجمّع على تعاليم الدّين من أجل صلاح الدّنيا والحياة والمجتمع، وتأتي المؤآخاة عن طريقين:

الأوّل: الاتّفاق بين المتآخيين بالطّبيعة والعادات والميول والاتّجاهات، ولذلك أسبابه ومنها:

١- التّجانس في حال يجتمعان فيها ويأتلفان، وإذا قوي التّجانس قوي الائتلاف، وإن ضعف كان ضعيفا، ولذا كان التّجانس أقوى أسباب المؤاخاة، والتّجانس يعني المشاكلة، يقال هذا يجانس هذا أي يشاكله، وقد روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» «٣» فهي بالتّجانس متعارفة، وبفقده لا تتعارف بل تتناكر.

٢- وقوع الاتّفاق بينهما، ذلك أنّه بالتّجانس والتّشابه يحدث التّواصل بين المتّقين، ممّا يوجد بينهما توحّدا في الاتّجاهات والآراء والميول والعادات.

٣- وعن التّواصل الجزئيّ أو الكامل تقع المؤانسة، وسببها انبساط في النّفوس وزوال الحواجز ممّا يجعل الأخ يأنس بأخيه.

٤- وإذا سقطت الحواجز النّفسيّة وانبسطت النّفوس نتيجة لذلك، وخلصت النّيّة في المؤاخاة نتج عن ذلك مصافاة بين المتآخيين.

٥- وبتولّد الثّقة المتبادلة بين الطّرفين أو الأطراف المتآخية تنتج مودّة بينهما، وهي أدنى حالات الكمال في أحوال الإخاء.

٦- وإذا ما وجدت المودّة، واستحسن المتآخون


(١) نزهة الأعين النواظر (١٣٢) .
(٢) أدب الدنيا والدين (١٦٢) .
(٣) انظر الحديث رقم ٤٤ ص ١٠٨.