للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يغنيك عنهم ويغنيهم عنك، ويصرف أذاهم عنك ويصرف أذاك عنهم، وقيل: هي مفاعلة من العفو وهو أن يعفو عن النّاس ويعفوا هم عنه «١» .

العفوّ من أسماء الله تعالى:

قال ابن الأثير: من أسماء الله تعالى «العفوّ» هو فعول من العفو وهو التّجاوز عن الذّنب وترك العقاب عليه، وأصله المحو والطّمس، وهو من أبنية المبالغة «٢»

وقال الغزاليّ: والعفوّ صفة من صفات الله تعالى، وهو الّذي يمحو السّيّئات ويتجاوز عن المعاصي، وهو قريب من الغفور، ولكنّه أبلغ منه فإنّ الغفران ينبأ عن السّتر، والعفو ينبأ عن المحو، والمحو أبلغ من السّتر. وحظّ العبد من ذلك لا يخفى وهو أن يعفو عن كلّ من ظلمه بل يحسن إليه كما يرى الله تعالى محسنا في الدّنيا إلى العصاة والكفرة غير معاجل لهم بالعقوبة. بل ربّما يعفو عنهم بأن يتوب عليهم، وإذا تاب عليهم محا سيّئاتهم، إذ التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له. وهذا غاية المحو للجناية «٣» .

وقال ابن القيّم- رحمه الله- تعالى: ومن حكمة الله- عزّ وجلّ- تعريفه عبده أنّه لا سبيل له إلى النّجاة إلّا بعفوه ومغفرته- جلّ وعلا- وأنّه رهين بحقّه، فإن لم يتغمّده بعفوه ومغفرته، وإلّا فهو من الهالكين لا محالة فليس أحد من خلقه إلّا وهو محتاج إلى عفوه ومغفرته كما هو محتاج إلى فضله ورحمته «٤» .

[العفو اصطلاحا:]

قال المناويّ: العفو: القصد لتناول الشّيء والتّجاوز عن الذّنب «٥» .

وقال الكفويّ: العفو: كفّ الضّرر مع القدرة عليه، وكلّ من استحقّ عقوبة فتركها فهذا التّرك عفو «٦»

وقال أيضا: العفو عن الذّنب يصحّ رجوعه إلى ترك ما يستحقّه المذنب من العقوبة، وإلى محو الذّنب، وإلى الإعراض عن المؤاخذة كما يعرض المرء عمّا يسهل على النّفس بذله «٧» .

[الفرق بين العفو والصفح:]

الصّفح والعفو متقاربان في المعنى فيقال:

صفحت عنه أعرضت عن ذنبه وعن تثريبه، كما يقال عفوت عنه.

إلّا أنّ الصّفح أبلغ من العفو فقد يعفو الإنسان ولا يصفح، وصفحت عنه: أوليته صفحة جميلة «٨» .

[الغفران لغة:]

الغفران مصدر قولهم: غفر الله لفلان غفرانا ويرادفه: المغفرة والغفر، وأصل ذلك: التّغطية والسّتر،


(١) مقاييس اللغة (٤/ ٥٦) ، وكتاب العين للخليل بن أحمد (٢/ ٢٥٨) ، والمفردات للراغب (٣٤٠) ، والصحاح (٦/ ٢٤٣٣) ، والنهاية ٢/ ٢٦٥، ولسان العرب (٤/ ٣٠٢٠) - ط. دار المعارف.
(٢) النهاية في غريب الحديث (٣/ ٢٦٥) .
(٣) المقصد الأسنى (١٤٠) .
(٤) مفتاح دار السعادة (١/ ٣١٣) ط. ثانية، تعليق محمود ربيع.
(٥) التوقيف (٢٤٣) ، وقد ذكر المناوي تعريفا آخر عن الحرالي ليس مما نحن فيه وهو أن العفو ما جاء بغير تكلف ولا كره.
(٦) الكليات (٥٣) ، وانظر أيضا (٥٩٨) .
(٧) انظر الكليات للكفوي (٦٣٢) .
(٨) بصائر ذوي التمييز (٣/ ٤٢١) .