للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لربّه ومحبّة الرّبّ لعبده، ودليل الأولى هي اتّباع المصطفى صلّى الله عليه وسلّم. أمّا الثّانية فهي ثمرة ذلك الاتّباع ويؤكّد ذلك قول الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (آل عمران/ ٣١) ، ولذلك أطلق على هذه الآية الكريمة آية المحبّة، يقول أبو سليمان الدّارانيّ: لمّا ادّعت القلوب محبّة الله عزّ وجلّ أنزل الله هذه الآية محنة «١» (أي اختبارا وامتحانا لهذه القلوب) . ومعنى هذه الآية- كما يقول الطّبريّ- قل يا محمّد لوفد نصارى نجران إن كنتم تزعمون أنّكم تحبّون الله فحققوا قولكم الّذي تقولونه إن كنتم صادقين باتّباعكم إيّاي فإنّكم تعلمون أنّي رسول الله إليكم كما كان عيسى- عليه السّلام- رسولا إلى من أرسله الله إليهم «٢» . وقد فسّر بعضهم المحبّة بالاتّباع والطّاعة من جانب العباد ومحبّة الله لعباده بإنعامه عليهم بالغفران فقال: محبّة العبد لله ورسوله طاعته لهما واتّباعه أمرهما ومحبّة الله للعباد إنعامه عليهم بالغفران «٣» . وقال سهل بن عبد الله: علامة حبّ الله حبّ القرآن وعلامة حبّ القرآن حبّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وعلامة حبّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حبّ السّنّة، وعلامة ذلك كلّه حبّ الآخرة «٤» ، وهذه الآية الكريمة حاكمة على كلّ من ادّعى محبّة الله وليس هو على الطّريقة المحمّديّة بأنّه كاذب في نفس الأمر حتّى يتّبع الشّرع المحمّديّ والدّين النّبويّ في جميع أقواله وأفعاله، والمراد ب يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ أنّه يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبّتكم إيّاه وهو محبّته إيّاكم وهذا أعظم من الأوّل إذ ليس الشّأن أن تحبّ إنّما الشّأن أن تحبّ «٥» .

يقول ابن القيّم- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى في الآية السّابقة: يحببكم الله إشارة إلى دليل المحبّة وثمرتها وفائدتها فدليلها وعلامتها اتّباع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وفائدة الاتّباع وثمرته محبّة الله عزّ وجلّ فإذا لم تحصل المتابعة فليست المحبّة بحاصلة، وقال أيضا: وعلى ذلك فإنّه لا تنال محبّة الله عزّ وجلّ إلّا باتّباع الحبيب صلّى الله عليه وسلّم «٦» ، والخلاصة أنّ الاتّباع علامة على صدق العبد في حبّه لله تعالى وأنّ ثمرة هذا الاتّباع هي محبّة الله عزّ وجلّ وغفرانه.

[الاتباع في القرآن الكريم:]

ورد الاتّباع في القرآن الكريم مأمورا به ومنهيّا عنه، فالمنهيّ عنه هو اتّباع الهوى والشّيطان والظّنّ والكفّار وما أشبه ذلك، أمّا المأمور به فقد ورد على صور عديدة منها اتّباع الرّسل، ومنها اتّباع الوحي والشّريعة والهدى وصالح المؤمنين، وسنصنّف آيات الاتّباع المأمور به وفقا لما أمر باتّباعه.

[انظر أيضا صفات: الأسوة الحسنة، الحكم بما أنزل الله، مجاهدة النفس، الاعتصام، الطاعة.

وفي ضد ذلك انظر: صفات: اتباع الهوى، الابتداع، الغلو، القدوة السيئة، الإعراض، الحكم بغير ما أنزل الله] .


(١) مدارج السالكين (٣/ ٢٢) .
(٢) باختصار عن تفسير الطبري (٣/ ١٥٦) .
(٣) تفسير القرطبي (٤/ ٤٠) .
(٤) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.
(٥) تفسير ابن كثير (١/ ٣٥٨) .
(٦) مدارج السالكين بتصرف (٣/ ٢٢- ٣٩) .