للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المخالفة إن علم أنّها نشأت عن اجتهاد لكونه من أهله لا يجوز له بغضه، لأنّه ليس لله. وإن علم أنّها نشأت عن تعصّب وهوى نفس أو تقصير في البحث جاز «١» .

[البغض بين المدح والذم:]

قال ابن رجب رحمه الله: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ولا تباغضوا» نهى المسلمين عن التّباغض بينهم في غير الله تعالى بل على أهواء النّفوس، فإنّ المسلمين جعلهم الله إخوة، والإخوة يتحابّون بينهم ولا يتباغضون.

وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، ألا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه، تحاببتم؟ أفشوا السّلام بينكم» أخرجه مسلم. وقد حرّم الله على المؤمنين ما يوقع بينهم العداوة والبغضاء كما قال تعالى إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (المائدة/ ٩١) وامتنّ على عباده بالتّأليف بين قلوبهم كما قال تعالى وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً (آل عمران/ ١٠٣) وقال: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ* وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ (الأنفال/ ٦٢- ٦٣) . ولهذا المعنى حرّم المشي بالنّميمة لما فيها من إيقاع العداوة والبغضاء. وأمّا البغض في الله فهو من أوثق عرى الإيمان وليس داخلا في النّهي، ولو ظهر لرجل من أخيه شرّ فأبغضه عليه- وكان الرّجل معذورا فيه في نفس الأمر- أثيب المبغض له، وإن عذر أخوه كما قال عمر: إنّا كنّا نعرفكم، إذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا وإذ ينزل الوحي وإذ ينبئنا الله من أخباركم، ألا وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد انطلق به، وانقطع الوحي، وإنّما نعرفكم بما نخبركم. ألا من أظهر منكم لنا خيرا ظننّا به خيرا وأحببناه عليه، ومن أظهر منكم شرّا ظننّا به شرّا وأبغضناه عليه، سرائركم بينكم وبين ربّكم تعالى.

وقال الرّبيع بن خثيم: لو رأيت رجلا يظهر خيرا ويسرّ شرّا أحببته عليه آجرك الله على حبّك الخير، ولو رأيت رجلا يظهر شرّا ويسرّ خيرا بغضته عليه آجرك الله على بغضك الشّرّ، ولمّا كثر اختلاف النّاس في مسائل الدّين وكثر تفرّقهم كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلا عنهم، وكلّ منهم يظهر أنّه يبغض لله وقد يكون في نفس الأمر معذورا وقد لا يكون معذورا بل يكون متّبعا لهواه مقصّرا في البحث عن معرفة ما يبغض عليه، فإنّ كثيرا من البغض كذلك إنّما يقع لمخالفة متبوع يظنّ أنّه لا يقول إلّا الحقّ وهذا الظّنّ خطأ قطعا، وإن أريد أنّه لا يقول إلّا الحقّ فيما خولف فيه.

فهذا الظّنّ قد يخطىء ويصيب، وقد يكون الحامل على الميل إليه مجرّد الهوى والألفة أو العادة، وكلّ هذا يقدح في أن يكون هذا البغض لله، فالواجب على المؤمن أن ينصح لنفسه ويتحرّز في هذا غاية التّحرّز «٢» .

[للاستزادة: انظر صفات: الحسد- الحقد- الغل- الخبث.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: التودد- الإخاء- المحبة- الرضا- القناعة] .


(١) دليل الفالحين (٢/ ٢٠) .
(٢) جامع العلوم والحكم (٢٨٨- ٢٨٩) .