للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[مجالات الصدق:]

قال ابن القيّم- رحمه الله-: والصّدق ثلاثة:

قول وعمل وحال.

فالصّدق في الأقوال: استواء اللّسان على الأقوال كاستواء السّنبلة على ساقها.

والصّدق في الأعمال: استواء الأفعال على الأمر والمتابعة، كاستواء الرّأس على الجسد.

والصّدق في الأحوال: استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص. واستفراغ الوسع وبذل الطّاقة.

فبذلك يكون العبد من الّذين جاءوا بالصّدق. وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به تكون صدّيقيّته. كما فعل أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- «١» .

وقد أخبر- سبحانه- أنّه أكرم عباده المتّقين بأن جعل لهم: مدخل صدق ومخرج صدق ولسان صدق وقدم صدق ومقعد صدق.

وحقيقة الصّدق في هذه الأشياء هو الحقّ الثّابت المتّصل بالله، الموصل إلى الله. وهو ما كان به وله من الأقوال والأعمال. وجزاء ذلك في الدّنيا والآخرة «٢» .

قال الفيروز اباديّ: والصّدّيق: الرّجل الكثير الصّدق. وقيل: الصّدّيق: من لم يصدر منه الكذب أصلا. وقيل: من صدق بقوله واعتقاده، وحقّق صدقه، قال تعالى في حقّ إبراهيم: إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (مريم/ ٤١) .

فالصّدّيقون: قوم دون الأنبياء في الفضيلة، ولكنّ درجتهم ثاني درجة النّبيّين. وفي الجملة، منزلة الصّدق من أعظم منازل القوم، الّذي نشأ منه جميع منازل السّالكين. وهو الطّريق الأقوم الّذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين. وبه تميّز أهل النّفاق من أهل الإيمان، وسكّان الجنان من أهل النّيران. وهو سيف الله في أرضه الّذي ما وضع على شيء إلّا قطعه، ولا واجه باطلا إلّا أزاله وصرعه. فهو روح الأعمال، ومحلّ الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، والباب الّذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال «٣» .

الرسول صلّى الله عليه وسلّم إمام الصادقين:

لقد كانت حياته صلّى الله عليه وسلّم أفضل مثال للإنسان الكامل الّذي اتّخذ من الصّدق في القول والأمانة في المعاملة خطّا ثابتا لا يحيد عنه قيد أنملة، وقد كان ذلك فيه بمثابة السّجيّة والطّبع فعرف بذلك حتّى قبل البعثة، وكان لذلك يلقّب بالصّادق الأمين، واشتهر بهذا وعرف به بين أقرانه، وقد اتّخذ صلّى الله عليه وسلّم من الصّدق الّذي اشتهر به بين أهله وعشيرته مدخلا إلى المجاهرة بالدّعوة، إذ إنّه لمّا نزل قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء/ ٢١٤) جمع أهله وسألهم عن مدى تصديقهم له إذا أخبرهم بأمر من الأمور، فأجابوا بما عرفوا عنه قائلين: ما جرّبنا عليك إلّا


(١) مدارج السالكين لابن القيم (٢/ ٢٨١) .
(٢) المرجع السابق (٢/ ٢٨٢) .
(٣) بصائر ذوي التمييز (٣/ ٣٩٧- ٣٩٨) .