للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لمطاردة جيش قريش إلى حمراء الأسد في غزوة اقتصرت على من شهد أحدا دون غيرهم «١» .

[غزوة حمراء الأسد:]

استجاب المسلمون الذين شاركوا في غزوة أحد فخرجوا في اليوم التالي، وهو الثامن من شوال سنة ٣ هـ، مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى حمراء الأسد على ما بهم من خوف وإرهاق وقروح، وقالوا سمعا وطاعة وأذن النبي لجابر بن عبد الله بالمسير معه مع أنه لم يشهد أحدا، إذ كان أبوه قد خلّفه على بناته «٢» ، وتقدم المسلمون حتى بلغوا حمراء الأسد، وكان عددهم حينذاك ستمائة وثلاثين مقاتلا «٣» .

وأقبل معبد بن أبي معبد الخزاعي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأسلم، فأمره النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يلحق بأبي سفيان ويخذّله، فلحقه بالروحاء- ولم يعلمه بإسلامه- فخذّله إذ أخبره بخروج النبي صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين خلفهم إلى حمراء الأسد، ونصحه وقريش بالعودة إلى مكة على عجل «٤» .

ولقد أثنى الله تعالى على مبادرة أصحاب النبي بالخروج معه في هذه الغزوة فقال تعالى: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ «٥» .

وأقدم أبو سفيان على محاولة تخذيل المسلمين عن ملاحقتهم فأرسل مع ركب من عبد القيس رسالة إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ورد فيها: «إنّا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم» وحين سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك قال:

حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ «٦» .

وأنزل الله تعالى في ذلك قوله: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ* إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «٧» .

أقام النبي صلّى الله عليه وسلّم في حمراء الأسد ثلاثة أيام «٨» ، وقد أسروا في طريق عودتهم كلا من معاوية بن المغيرة وأبا عزّة


(١) البخاري- الصحيح (الحديث ٤٠٧٧) ، مسلم- الصحيح (حديث ٢٤١٨) .
(٢) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٧/ ٣٧٣) .
(٣) خرج معبد ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحمراء الأسد حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه ... فلما رأى أبو سفيان معبدا قال: ما وراءك يا معبد؟ قال: محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا، قد اجتمع معه من كان تخلّف عنه في يومكم وندموا على ما صنعوا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط. قال: ويحك! ما تقول؟ قال: والله ما أرى أن ترتحل حتى أرى نواصي الخيل ... (ابن هشام- السيرة ٣/ ١٠١) .
(٤) ابن هشام- السيرة ٢/ ١٠٢.
(٥) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ ١٧٢، وانظر: البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث ٢٤١٨) ، مسلم- الصحيح ٤/ ١٨٨١ (حديث ٢٤١٨) .
(٦) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ ١٧٣.
(٧) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ ١٧٣- ١٧٥، وانظر: الطبري- تفسير ٧/ ٣٩٩- ٤١٥.
(٨) ابن هشام- السيرة ٣/ ١٠١.