ما خلقه الله في تطبيقات عمليّة نافعة له في مجالات حياته المختلفة دون ثمن يدفعه مقابل ذلك، مثل استخدامه لضياء الشّمس ودفئها، ومعرفته السّنين والحساب بدوران هذه الأفلاك حول نفسها من ناحية وحول بعضها من ناحية أخري، قال تعالى: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (يس/ ٤٠) ، وقال تعالى:
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ (يونس/ ٥) ، وبمنازل القمر قدّر سبحانه وتعالى الأيّام والشّهور الّتي يحسب بها عمر
الإنسان على الأرض، فقال عزّ وجلّ:
وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (غافر/ ٦٧) ، وقدّر بها فصول السّنة الّتي تحكم محاصيله الزّراعّية وأمورا عديدة أخرى تعينه على حياته فقال عزّ من قائل: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (الإسراء/ ١٢) ، وخلق الله عزّ وجلّ النّجوم والكواكب وأشار إلى عظمتها بقوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (الواقعة/ ٧٥- ٧٦) ، فكانت مواقع النّجوم هي وسيلة الإنسان الّتي يهتدي بها إلى الاتّجاهات المختلفة لقوله تعالى: وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (النحل/ ١٦) . وبها نحدّد جهة القبلة، وهذه كلّها نعم في السّماء خلقها الله وسخّرها للإنسان تكريما له.
٦- وكرّم الله الإنسان بتفضيله على كثير من خلقه فقال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (الإسراء/ ٧٠) وكرّم الله بني الإنسان بتسليطهم على ما في الأرض وتسخيره لهم بقوله عزّ وجلّ: وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (الرحمن/ ١٠) . وقوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ (البقرة/ ٢٢) .
وحملهم في البرّ والبحر ورزقهم من كلّ غذاء نباتيّ أو حيوانيّ ألطفه وألذّه، لقوله تعالى لهم: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (البقرة/ ٢٩) .
٧- ومن التّكريم تحميل الإنسان الأمانة ونفي الجبر عنه وإعطاؤه الحرّيّة كاملة، قال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (الأحزاب/ ٧٢) ، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (النجم/ ٣٩) ، كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (الطور/ ٢١) . وبهذا تحمّل الإنسان مسئوليّته عن نفسه كأمانة وهو مسئول عنها، ويكمن فيها عنصر التّكليف بحمايتها وصيانتها وتكريمها كفرد وأسرة ومجتمع. وبهذا التكريم يكون الإنسان قيّما على نفسه، محتملا تبعة اتّجاهه وعمله، وهذه هي الصّفة الأولى الّتي كان بها الإنسان إنسانا: حرّيّة الاتّجاه، وفرديّة التّبعة، وبهذه الحرّيّة استخلف في دار العمل، ومن العدل أن يلقى جزاء اتّجاهه وثمرة عمله في دار الحساب.
تكريم الله للإنسان بمحبته له وهدايته إياه بإرسال الرسل- عليهم الصلاة والسلام-: