ذكر المؤلّف- رحمه الله- تفاصيل هذه المسألة: وهي أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أفضل من إبراهيم، فكيف طلب له من الصّلاة ما لإبراهيم؟ مع أنّ المشبّه به أصله أن يكون فوق المشبّه؟ فكيف الجمع بين هذين الأمرين المتنافيين؟
ثم ذكر- رحمه الله- ما قاله النّاس في هذا، مع بيان ما فيه من صحيح وفاسد.
ثمّ ختم ذلك بقوله: وقالت طائفة أخرى: آل إبراهيم فيهم الأنبياء الّذين ليس في آل محمّد مثلهم، فإذا طلب للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولآله من الصّلاة مثل ما لإبراهيم وآله- وفيهم الأنبياء- حصل لآل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من ذلك ما يليق بهم، فإنّهم لا يبلغون مراتب الأنبياء، وتبقى الزّيادة الّتي للأنبياء وفيهم إبراهيم لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، فيحصل له بذلك من المزيّة ما لم يحصل لغيره.
وتقرير ذلك: أن يجعل الصّلاة الحاصلة لإبراهيم ولآله وفيهم الأنبياء جملة مقسومة على محمّد صلّى الله عليه وسلّم وآله، ولا ريب أنّه لا يحصل لآل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثل ما حصل لآل إبراهيم وفيهم الأنبياء، بل يحصل لهم ما يليق بهم، فيبقى قسم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والزّيادة المتوفّرة الّتي لم يستحقّها آله مختصّة به صلّى الله عليه وسلّم، فيصير الحاصل له من مجموع ذلك أعظم وأفضل من الحاصل لإبراهيم، وهذا أحسن من كلّ ما تقدّمه.
وأحسن منه أن يقال: محمّد صلّى الله عليه وسلّم هو من آل إبراهيم، بل هو خير آل إبراهيم، كما روى عليّ بن أبي طلحة عن أبي طلحة عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ «١» . قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: محمّد من آل إبراهيم، وهذا نصّ فإنّه إذا دخل غيره من الأنبياء الّذين هم من ذرّيّة إبراهيم في آله، فدخول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أولى، فيكون قولنا:«كما صلّيت على آل إبراهيم» متناولا للصّلاة عليه، وعلى سائر النّبيّين من ذرّيّة إبراهيم.
ثمّ قد أمرنا الله أن نصلّي عليه وعلى آله خصوصا بقدر ما صلّينا عليه مع سائر آل إبراهيم عموما، وهو فيهم، ويحصل لآله من ذلك ما يليق بهم ويبقى الباقي كلّه له صلّى الله عليه وسلّم.
وتقرير هذا أنّه يكون قد صلّى عليه خصوصا، وطلب له من الصّلاة ما لآل إبراهيم وهو داخل معهم، ولا ريب أنّ الصّلاة الحاصلة لآل إبراهيم ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم معهم أكمل من الصّلاة الحاصلة له دونهم، فيطلب له من الصّلاة هذا الأمر العظيم الّذي هو أفضل ممّا لإبراهيم قطعا، وتظهر حينئذ فائدة التّشبيه وجريه على أصله، وأنّ المطلوب له من الصّلاة بهذا اللّفظ أعظم من المطلوب له بغيره، فإنّه إذا كان المطلوب بالدّعاء إنّما هو مثل المشبّه