والباطنة وهذا المعنى الواسع للعبادة يقتضي أن يجعل المسلم أقواله وأفعاله وتصرّفاته وعلاقاته مع النّاس على وفق ما جاءت به الشّريعة الإسلاميّة، والمسلم لا يستطيع أن يصوغ حياته هذه الصّياغة الإسلاميّة إلّا إذا كان المجتمع الّذي يعيش فيه منظّما على نحو يسهّل عليه هذه الصّياغة أي أن يكون مجتمعا إسلاميّا صحيحا. فإن لم يكن كذلك بأن كان مجتمعا جاهليّا صرفا، أو مجتمعا مشوبا بمعاني الجاهليّة، فإنّ المسلم لا يستطيع فيه أن يحيا الحياة الإسلاميّة المطلوبة أو يتعذّر عليه ذلك. ولهذا يأمر الإسلام بالتّحوّل من المجتمع الجاهليّ إلى المجتمع الإسلاميّ، ما دام عاجزا عن إزالة جاهليّته، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (النساء/ ٩٧) وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة أنّها نزلت:
في كلّ من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكّنا من إقامة الدّين فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما بالإجماع. ولهذا يجب على كلّ مسلم تعهّد المجتمع الّذي يعيش فيه وإزالة المنكر حال ظهوره أو وقوعه وأن لا يستهين به، لأنّ المنكرات كالجراثيم الّتي تؤثّر في الجسد قطعا، وإذا لم تمرض البعض فإنّها تضعف مقاومته فيسهل عليها فيما بعد التّغلّب عليه. ولهذا كانت أولى مهمّات الدّولة الإسلاميّة إقامة هذا المجتمع الإسلاميّ الفاضل وإزالة المنكرات منه، قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (الحج/ ٤١) .
ثالثا: النّجاة من العقاب الجماعيّ:
وقيام الأفراد بإصلاح المجتمع ينجّيهم وينجّي المجتمع من الهلاك الجماعيّ أو العقاب الجماعيّ أو الضّيق والضّنك والقلق والشّرّ الّذي يصيب المجتمع.
وتوضيح هذه الجملة يحتاج إلى شيء من التّفصيل لأهميّة الموضوع وخطورته، فنقول: من سنّة الله تعالى، أنّ المجتمع الّذي يشيع فيه المنكر، وتنتهك فيه حرمات الله، وينتشر فيه الفساد، ويسكت الأفراد عن الإنكار والتّغيير، فإنّ الله تعالى يعمّهم بمحن غلاظ قاسية، تعمّ الجميع، وتصيب الصّالح والطّالح، وهذه في الحقيقة سنّة مخيفة وقانون رهيب يدفع كلّ فرد لا سيّما من كان عنده علم وفقه أو سلطان إلى المسارعة والمبادرة فورا لتغيير المنكر دفعا للعذاب والعقاب عن نفسه وعن مجتمعه «١» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإخلاص- النظام- الوفاء- الرجولة- الشهامة- القوة- قوة الإرادة- النزاهة- النبل.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإمعة- الإهمال- التخاذل- التفريط والإفراط- التهاون- الخيانة- نقض العهد- الغلول- الغدر] .