للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الداخلي، بل إن الوحي يتم من خارج الذات المحمدية المتلقية له، ودون أن يكون لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أي أثر في الصياغة والمعني، وتنحصر مهمته بتلقى الوحي وحفظ الموحى به وتبليغه «١» ، أما بيانه وتفسيره فيتم عن طريق النبي صلّى الله عليه وسلّم بأسلوبه ولفظه كما تدل على ذلك أحاديثه المحفوظة. وهو أسلوب مغاير تماما لأسلوب القرآن الكريم.

[الدعوة الإسلامية ومنطلقاتها الفكرية:]

إن الخطاب الإسلامي موجه للناس كافة بشتى بقاعهم ومختلف أزمانهم وبكل أجناسهم وقومياتهم وألوانهم وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «٢» . وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً «٣» ، وهذا العموم في الخطاب للبشرية اقتضى أن يقوم الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأتباعه بدعوة الآخرين إلى الدخول في الإسلام قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي «٤» . وقد حفلت العصور الإسلامية المتعاقبة بنشاط دعوي في أوضاع الحرب والسلام كان له أثره البالغ في تكثير أعداد المسلمين وتوسيع رقعة دار الإسلام. وكان الباعث الرئيسي على الدعوة هو طلب مرضاة الله والحصول على مثوبته ففي الحديث النبوي: «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النّعم» «٥» .

إن موضوع الدعوة هو الإسلام بشموله للعقيدة والشريعة والأخلاق- أو بتعبير معاصر- لجوانب الحياة المتنوعة فكرية واجتماعية واقتصادية وسياسية، ولكن المحور الأساسي هو التوحيد الخالص لله تعالى، وأنه الرب الخالق والمنعم الرازق، وأنه خلق البشر لتحقيق العبودية له وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «٦» ، ويتم اختبار طاعتهم في هذه الدنيا ويجازون على أعمالهم في اليوم الآخر، حيث يدخل المؤمنون الجنة والكافرون النار زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ «٧» سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ «٨» وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ «٩» .

إن الدخول في الإسلام يبدأ ب «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» ، وبها يعلن الإنسان إخلاصه في العبودية لله وحده، والتزامه باتباع أحكام الإسلام التي جاء بها محمد صلّى الله عليه وسلّم «١٠» وهكذا يدخل الإنسان مرحلة الوعي الديني.. الوعي بالهدف النبيل من الوجود، والوعي بضرورة الارتقاء الروحي والمادي، والوعي بوسائل


(١) انظر صفة التبليغ.
(٢) القرآن الكريم- سورة الأنبياء، الآية/ ١٠٧.
(٣) القرآن الكريم- سورة سبأ، الآية/ ٢٨.
(٤) القرآن الكريم- سورة يوسف، الآية/ ١٠٨.
(٥) البخاري- الصحيح ٧/ ٥٤٤، حديث رقم (٤٢١٠) مسلم- الصحيح، (كتاب فضائل الصحابة باب ٤) رقم ٣٤.
(٦) القرآن الكريم- سورة الذاريات، الآية/ ٥٦، وانظر صفة العبادة.
(٧) القرآن الكريم- سورة التغابن، الآية/ ٧.
(٨) القرآن الكريم- سورة الحديد، الآية/ ٢١، وانظر صفة الفضل.
(٩) القرآن الكريم- سورة التغابن، الآية/ ١٠.
(١٠) انظر صفة الاتباع.