للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حصل البيان والدّلالة والتّعريف ترتّب عليه هداية التّوفيق «١» .

وقال ابن كثير: الهداية: الإرشاد والتّوفيق، وقد تعدّى الهداية بنفسها كما في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (الفاتحة/ ٦) ، فتضمّن معنى ألهمنا أو وفّقنا أو ارزقنا أو أعطنا. ووَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (البلد/ ١٠) أي بيّنّا له الخير والشّرّ. وقد تعدّى ب* (إلى) * كما في قوله تعالى: اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (النحل/ ١٢١) ، وذلك بمعنى الإرشاد والدّلالة. وقد تعدّى باللّام كقول أهل الجنّة الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا (الأعراف/ ٤٣) أي وفّقنا وجعلنا له أهلا «٢» .

وقال البغويّ: اهدنا: أرشدنا، وقال عليّ وأبيّ ابن كعب- رضي الله عنهما-: ثبّتنا «٣» .

[أنواع الهداية:]

قال القرطبيّ: والهدى هديان:

١- هدى دلالة: وهو الّذي تقدر عليه الرّسل وأتباعهم، قال تعالى: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (الرعد/ ٧) وقال: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (الشورى/ ٥٢) ، فأثبت لهم الهدى الّذي معناه الدّلالة والدّعوة والتّنبيه.

٢- وهدى تأييد وتوفيق: وهو الّذي تفرّد به سبحانه، فقال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ (القصص/ ٥٦) فالهدى على هذا يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب ... «٤» .

وقال الطّبريّ: هدى أي من الضّلالة وهدى للمتّقين نور للمتّقين والهدى مصدر من قولك هديت فلانا الطّريق إذا أرشدته إليه ودللته عليه وبيّنته له أهديه هدى وهداية. ا. هـ «٥» .

ويقول الفيروز ابادىّ: وهداية الله تعالى للإنسان على أربعة أضرب:-

الأوّل: الهداية الّتي عمّ بها كلّ مكلّف من العقل والفطنة والمعارف الضّروريّة، بل عمّ بها كلّ شيء حسب احتماله، كما قال تعالى: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (طه/ ٥٠) .

الثّاني: الهداية الّتي جعلت للنّاس بدعائه إيّاهم على ألسنة الأنبياء وإنزال القرآن ونحو ذلك، والمقصود بقوله: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا (الأنبياء/ ٧٣) .

الثّالث: التّوفيق الّذي يختصّ به من اهتدى، وهو المعنيّ بقوله: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً (محمد/ ١٧) ، وقوله: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ (التغابن/ ١١) .

الرّابع: الهداية في الآخرة إلى الجنّة، وهو المعنيّ بقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا (الأعراف/ ٤٣) .

وهذه الهدايات الأربع مترتّبة. فإنّ من لم تحصل له الأولى لا تحصل له الثّانية، بل لا يصحّ تكليفه. ومن لم تحصل له الثّانية لا تحصل له الثّالثة والرّابعة.


(١) فتح الباري (١/ ٢١١) .
(٢) تفسير القرأن العظيم (١/ ٢٩) . وانظر: عمدة التفسير (٨٠) .
(٣) معالم التنزيل (١/ ٤١) .
(٤) معالم التنزيل (١/ ١٦٠) .
(٥) جامع البيان (١/ ٧٦) .