الجهاد مثل المجاهدة مصدر قولهم جاهد يجاهد، وذلك مأخوذ من مادّة (ج هـ د) الّتي تدلّ في الأصل على المشقّة، ثمّ يحمل على هذا الأصل ما يقاربه، ومصدر الثلاثيّ من ذلك قولهم: جهد (بالفتح) ، وجهد (بالضّمّ) وكلاهما يعني إمّا: الوسع والطّاقة أو التعب والمشقّة، ومن ثمّ يكون الاختلاف بين الفتح والضّمّ راجعا إلى اختلاف اللهجات، فهو بالضّمّ لغة أهل الحجاز، وبالفتح في لغة غيرهم، وقال بعض اللّغويّين: إنّ الجهد بالفتح المشقّة، وبالضّمّ الوسع والطّاقة، ومن الجهد بمعنى المشقّة قولهم جهد دابّته وأجهدها إذا حمل عليها في السّير فوق طاقتها، ومن المشقّة أيضا: جهد الرّجل فهو مجهود، يقال أصابهم قحوط من المطر فجهدوا جهدا شديدا، وجهد عيشهم بالكسر أي نكد واشتدّ.
ومن الجهد بمعنى الطّاقة قوله- عزّ وجلّ- وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ (التوبة/ ٧٩) .
أي طاقتهم، قال ابن منظور: قال الفرّاء: الجهد في هذه الآية الطّاقة، تقول هذا جهدي أي طاقتي، وقرأ جهدهم بالفتح من قولك اجهد جهدك في هذا الأمر أي ابلغ غايتك، ولا يقال اجهد جهدك، وقيل: إذا كان المعنى هو المشقّة أو الغاية فالفتح لا غير، وإذا كان الوسع والطّاقة فيجوز الفتح والضّمّ، ويراد بالجهد في حديث أمّ معبد «شاة خلّفها الجهد عن الغنم» الهزال، ومن ذلك قولهم:
جهد الرّجل إذا هزل، قال الجوهريّ: يقال جهد الرّجل فهو مجهود (من المشقّة) ، يقال: أصابهم قحوط من المطر فجهدوا جهدا شديدا، وجهد عيشهم (بالكسر) أي نكد واشتدّ.
ومن الجهد (بالضم) ما جاء في حديث الصّدقة: أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: جهد المقلّ أي قدر ما يحتمله حال القليل المال.
والاجتهاد: أخذ النّفس ببذل الطّاقة وتحمّل المشقّة، يقال جهدت رأيي وأجهدته: أتعبته بالفكر، وجاهد العدوّ مجاهدة وجهادا: قاتله، وفي الحديث:
«لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيّة» ، الجهاد محاربة الأعداء، وهو المبالغة واستفراغ ما في الوسع والطّاقة من قول أو فعل، والمراد بالنّيّة: إخلاص العمل لله، أي إنّه لم يبق بعد فتح مكّة هجرة؛ لأنّها قد صارت دار إسلام، وإنّما هو الإخلاص في الجهاد وقتال الكفّار، والجهاد (أيضا) المبالغة واستفراغ الوسع في الحرب أو اللّسان أو ما أطاق من شيء، قال الرّاغب: والجهاد ثلاثة أضرب: مجاهدة العدوّ الظّاهر، ومجاهدة الشّيطان، ومجاهدة النّفس؛ وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى: وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ (الحج/ ٧٨) وقال عليه الصّلاة والسّلام: جاهدوا أهواءكم كما