للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المكسورة من جهة التّهزّؤ، والمضمومة من جهة السّخرة، وقال الكسائيّ هما لغتان بمعنى واحد كما يقال عصيّ وعصيّ، وحكى القرطبيّ عن بعضهم أنّ الكسر (سخريّا) بمعنى: الاستهزاء والسّخرية بالقول. والضّم (سخريّا) بمعنى التّسخير والاستعباد بالفعل «١» . والاستسخار، أن يدعو بعض النّاس بعضا إلى السخرية، وبهذا فسّر قول الله تعالى:

وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (الصافات/ ١٤) قال الرّمّانيّ معناه يدعو بعضهم بعضا إلى أن يسخر (بها) ، وقيل المعنى يسخرون، كما في قولهم: علا قرنه واستعلاه، وعجب من كذا واستعجب «٢» ، وعلى هذا يكون معنى قول الله تعالى: يَسْتَسْخِرُونَ يسخرون ويستهزئون «٣» ، يقول العلّامة ابن كثير في تفسير هذه الآية: يستسخرون: يستهزئون (عن قتادة ومجاهد) «٤» ، وقال أبو حيّان: يكون استسخر هنا بمعنى المجرّد (أي سخر) وقيل فيه معنى الطّلب «٥» أي يطلبون أن يكونوا ممّن يسخرون «٦» ، وقال بعضهم: المعنى هنا هو المبالغة أي إنّهم يبالغون في السّخرية «٧» . ويقال رجل سخرة، أي يسخّر في الأعمال يتسخّره من قهره، وكلّ ما ذلّ وانقاد أو تهيّأ لك على ما تريد فقد سخّر لك «٨» .

[السخرية اصطلاحا:]

قال المناويّ: السّخرية هي استزراء العقل معنى، بمنزلة التّسخير «٩» في الفعل حسّا، ونقل عن ابن الكمال قوله: السّخرية تكون من شيء يحقّ عند صاحبه ولا يحقّ عند السّاخر «١٠» .

الفرق بين السّخرية والهزء:

تغاضى بعض العلماء عن الفرق الدّقيق بين السّخرية والاستهزاء الّذي هو ارتياد الهزء فقال: إنّ السخرية والاستهزاء معناهما واحد «١١» وعلى ذلك فسّر كثيرون: السّخرية بالاستهزاء «١٢» . ولكنّ الواقع اللّغويّ وتأمّل ما ورد من ذلك في القرآن الكريم يشيران إلى وجود نوع من الفرق بينهما، حتّى وإن كان هذا الفرق قد يتناسى أحيانا فيستعمل أحدهما في المعنى الّذي يستعمل فيه الآخر، ويتمثّل هذا الفرق في أنّ الهزء: هو إظهار الجدّ وإخفاء الهزل فيه «١٣» ، أي أنّه يكون بالقول المصحوب بسوء النّيّة، ولا يشترط فيه أن


(١) تفسير القرطبي ١٢/ ١٥٥.
(٢) المراد ان الاستسخار والسخرية بمعنى واحد.
(٣) بتصرف يسير من لسان العرب ٤/ ٣٥٣.
(٤) تفسير ابن كثير ٤/ ٤.
(٥) وذلك على أصل معنى صيغة استفعل.
(٦) تفسير البحر المحيط ٧/ ٣٤٠.
(٧) السابق، الصفحة نفسها.
(٨) لسان العرب ٤/ ٣٥٤.
(٩) في الأصل بمنزلة الاستنخار ولا معنى له هنا، والتصويب مستفاد ممّا ذكره صاحب البصائر.
(١٠) التوقيف على مهمات التعاريف (ص ١٩٢) بتصرف يسير.
(١١) انظر مثلا: الصحاح للجوهري (١/ ٨٣) حيث فسر الاستهزاء بالسخرية، وغذاء الألباب للسفاريني ١/ ١٣١
(١٢) انظر مثلا، تفسير ابن كثير ٤/ ٤ حيث فسر يستسخرون ب «يستهزئون» .
(١٣) التوقيف على مهمات التعاريف ص ٣٤٣، وقد ذكر أنّ المراد بالهزل عرفا ألّا يراد باللّفظ معناه الحقيقي ولا المجازيّ (وإنّما يكون كناية عن التحقير) .