للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأحاديث الواردة في (الرهبة) معنى]

٥-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «آخر من يدخل الجنّة رجل.

فهو يمشي مرّة ويكبو «١» مرّة. وتسفعه «٢» النّار مرّة.

فإذا ما جاوزها التفت إليها. فقال: تبارك الّذي نجّاني منك لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأوّلين والآخرين. فترفع له شجرة. فيقول: أي ربّ، أدنني من هذه الشّجرة فلأستظلّ بظلّها وأشرب من مائها. فيقول الله- عزّ وجلّ- يا بن آدم، لعلّي إن أعطيتكها سألتني غيرها. فيقول: لا يا ربّ، ويعاهده أن لا يسأله غيرها. وربّه يعذره. لأنّه يرى ما لا صبر له عليه «٣» . فيدنيه منها فيستظلّ بظلّها ويشرب من مائها. ثمّ ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى.

فيقول: أي ربّ! أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظلّ بظلّها لا أسألك غيرها. فيقول: يا بن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: لعلّي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيعاهده أن لا يسأله غيرها. وربّه يعذره. لأنّه يرى ما لا صبر له عليه.

فيدنيه منها. فيستظلّ بظلّها ويشرب من مائها. ثمّ ترفع له شجرة عند باب الجنّة هي أحسن من الأوليين.

فيقول: أي ربّ! أدنني من هذه لأستظلّ بظلّها وأشرب من مائها. لا أسألك غيرها. فيقول: يابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا ربّ. هذه لا أسألك غيرها، وربّه يعذره لأنّه يرى ما لا صبر له عليه. فيدنيه منها. فإذا أدناه منها، فيسمع أصوات أهل الجنّة. فيقول: أي ربّ أدخلنيها. فيقول:

يا بن آدم، ما يصريني منك «٤» ؟. أيرضيك أن أعطيك الدّنيا ومثلها معها؟ قال: يا ربّ! أتستهزأ منّي وأنت ربّ العالمين» . فضحك ابن مسعود فقال:

ألا تسألوني ممّ أضحك؟ فقالوا: ممّ تضحك؟ قال:

هكذا ضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالوا: ممّ تضحك يا رسول الله؟. قال: «من ضحك ربّ العالمين حين قال: أتستهزأ منّي وأنت ربّ العالمين؟. فيقول: إنّي لا أستهزأ منك، ولكنّي على ما أشاء قادر» ) * «٥» .

٦-* (عن أبي اليسر- رضي الله عنه- قال: أتتني امرأة تبتاع تمرا، فقلت: إنّ في البيت تمرا أطيب منه، فدخلت معي في البيت فأهويت إليها فقبّلتها، فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له، فقال: استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدا. فلم أصبر فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت ذلك له، فقال له: «أخلفت غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟!» ، حتّى تمنّى أنّه لم يكن أسلم إلّا تلك السّاعة، حتّى ظنّ أنّه من أهل النّار. قال: وأطرق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طويلا، حتّى


(١) يكبو: معناه يسقط على وجهه.
(٢) تسفعه: تضرب وجهه وتسوده وتؤثر فيه أثرا.
(٣) ما لا صبر له عليه: معناه أي نعمة لا صبر له عليها.
(٤) ما يصريني منك: ما يقطع مسألتك مني، أو أي شيء يرضيك ويقطع السؤال بيني وبينك.
(٥) مسلم (١٨٧) .