للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حصوله، وقد يستعمل بمعنى الأمل. وقال بعضهم:

الطّمع ذلّ ينشأ من الحرص والبطالة والجهل بحكمة الباري «١» .

[الطمع بين المدح والذم:]

إنّ الطّمع بمعنى الرّجاء في رحمة الله وتوقّع الخير، أمر محمود، وهذا ما فعله نبيّ الله إبراهيم- عليه السّلام- عندما قال الله على لسانه: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (الشعراء/ ٨٢) .

وامتدح الله- عزّ وجلّ- من يدعونه خوفا وطمعا، ووعدهم بما تقرّ به أعينهم. قال تعالى: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (السجدة: ١٦، ١٧) .

أمّا إذا كان الطّمع في حطام الدّنيا من مال عارض أو منصب زائل، أو جاه حائل، فإنّ ذلك كلّه مذموم خاصّة إذا صدر ممّن له حقّ فيه، وهذا دأب المنافقين الّذين كانوا يطمعون في الصّدقات فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (التوبة/ ٥٨) يقول الإمام ابن تيميّة:

وهكذا كان حال من كان متعلّقا برئاسة أو ثروة ونحو ذلك من أهواء نفسه، إن حصل له رضي وإن لم يحصل سخط فهذا عبد ما يهواه من ذلك، وهو رقيق له إذا لم يحصل. والعبوديّة في الحقيقة هي رقّ القلب وعبوديّته، فما استرقّ القلب واستعبده فهو عبد لهذا. يقال:

العبد حرّ ما قنع ... والحرّ عبد ما طمع

وقال قائل:

أطعت مطامعي فاستعبدتني ... ولو أنّي قنعت لكنت حرّا

ويقال: (الطمع فقر، واليأس غنى، وإنّ أحدكم إذا يئس من شيء استغنى عنه) وهذا أمر يجده الإنسان في نفسه.

فإنّه الأمر الّذي لا ييأس منه، ولا يطلبه ولا يطمع به، ولا يبقى قلبه فقيرا إليه ولا إلى من يفعله وأمّا إذا طمع في أمر من الأمور ورجاه تعلّق قلبه به فصار فقيرا إلى حصوله وإلى من يظنّ أنّه سبب في حصوله وهذا في المال والجاه والصّور وغير ذلك.

قال الخليل إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (العنكبوت/ ١٧) فالعبد لا بدّ له من رزق، وهو محتاج إلى ذلك، فإذا طلب رزقه من الله صار عبدا لله فقيرا إليه، وإن طلبه من مخلوق صار عبدا لذلك المخلوق فقيرا إليه «٢» .

[للاستزادة: انظر صفات: اتباع الهوى- أكل الحرام- التطفيف- الربا- الرشوة- السرقة- الغلول- الظلم- الطغيان.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: القناعة- الرضا- حسن المعاملة- الزهد- محاسبة النفس- مجاهدة النفس- علو الهمة] .


(١) التوقيف (٣٠٧) .
(٢) مكارم الأخلاق لابن تيمية (٢٦٠، ٢٦١) .