للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في الفطرة، فهذه أمّهات الذّنوب ومنابعها، ثمّ تتفجّر الذنوب من هذه المنابع إلى الجوارح: فبعضها في القلب، كالكفر، والبدعة، والنّفاق، وإضمار السّوء، وبعضها في العين، وبعضها في السّمع، وبعضها في اللّسان، وبعضها في البطن والفرج، وبعضها في اليدين والرّجلين وبعضها على جميع البدن.

ثمّ الذّنوب تنقسم إلى ما يتعلّق بحقوق الآدميّين وإلى ما بين العبد وبين ربّه. فيما يتعلّق بحقوق العباد، فالأمر فيه أغلظ، والّذي بين العبد وبين ربّه، فالعفو فيه أرجى وأقرب إلّا أن يكون شركا والعياذ بالله، فذلك الّذي لا يغفر «١» .

[أنواع المعاصي:]

١- الذنوب الملكية:

فالذنوب الملكيّة: أن يتعاطى العبد ما لا يصلح له من صفات الرّبوبيّة، كالعظمة، والكبرياء، والجبروت، والقهر، والعلوّ، واستعباد الخلق، ونحو ذلك.

ويدخل في هذا الشّرك بالرّبّ تعالى، وهو نوعان: شرك به في أسمائه وصفاته وجعل آلهة أخرى معه، وشرك به في معاملته، وهذا الثّاني قد لا يوجب دخول النّار، وإن أحبط العمل الّذي أشرك فيه مع الله غيره (وذلك هو الرّياء) .

وهذا القسم أعظم أنواع الذّنوب، ويدخل فيه القول على الله بلا علم في خلقه وأمره، فمن كان من أهل هذه الذّنوب، فقد نازع الله سبحانه في ربوبيّته وملكه، وجعل له ندّا، وهذا أعظم الذنوب عند الله، ولا ينفع معه عمل.

٢- الذنوب الشيطانية:

وأمّا الشّيطانيّة: فالتّشبّه بالشّيطان في الحسد، والبغي، والغشّ، والغلّ، والخداع، والمكر، والأمر بمعاصي الله، وتحسينها، والنّهي عن طاعته، وتهجينها، والابتداع في دينه، والدّعوة إلى البدع والضّلال.

وهذا النّوع يلي النّوع الأوّل في المفسدة، وإن كانت مفسدته دونه.

٣- الذنوب السبعية:

وأمّا السّبعيّة: فالعدوان، والغضب، وسفك الدماء، والتوثّب على الضعفاء والعاجزين، ويتولّد منها أنواع أذى النّوع الإنسانيّ، والجرأة على الظلم والعدوان.

٤- الذنوب البهيمية:

وأمّا الذنوب البهيميّة فمثل الشّره، والحرص على قضاء شهوة البطن والفرج، ومنها يتولّد الزّنى، والسّرقة، وأكل أموال اليتامى، والبخل، والشّحّ، والجبن، والهلع، والجزع، وغير

ذلك.

وهذا القسم أكثر ذنوب الخلق لعجزهم عن الذّنوب السّبعيّة والملكيّة، ومنه يدخلون إلى سائر الأقسام، فهو يجرّهم إليها بالزّمام، فيدخلون منه إلى الذّنوب السّبعيّة، ثمّ إلى الشّيطانيّة، ثمّ إلى منازعة الرّبوبيّة، والشّرك في الوحدانيّة «٢» .


(١) انظر: مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة (٢٥٢) .
(٢) الداء والدواء (٢٢٢- ٢٢٣) .