للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الإيثار]

/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/

/ ٥/ ١٤/ ١٠/

[الإيثار لغة:]

الإيثار مصدر قولهم آثره عليه يؤثره إيثارا بمعنى فضّله وقدّمه وهو مأخوذ من مادّة (أث ر) الّتي تدلّ على تقديم الشّيء «١» ومن ذلك قولهم: الأثير وهو الكريم عليك الّذي تؤثره بفضلك وصلتك، وجمع الأثير أثراء، والمآثر ما يروى من مكارم الإنسان، ويستعار الأثر للفضل والإيثار للتّفضّل، وفي التّنزيل:

لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا (يوسف/ ٩١) . وآثر أن يفعل كذا: فضّل وقدّم، قال الأصمعيّ: آثرتك إيثارا أي فضّلتك وضدّه الأثرة من قولهم استأثر بالشّيء انفرد به أو اختصّ به نفسه، وفي الحديث: قال صلّى الله عليه وسلّم للأنصار:

«إنّكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا» . والاستئثار:

الانفراد بالشّيء. والمأثرة بفتح الثّاء وضمّها: المكرمة وآثرت فلانا على نفسي من الإيثار وهو الاختيار والتّفضّل «٢» .

[واصطلاحا:]

قال القرطبيّ: الإيثار هو تقديم الغير على النّفس في حظوظها الدّنيويّة رغبة في الحظوظ الدّينيّة، وذلك ينشأ عن قوّة اليقين وتوكيد المحبّة، والصّبر على المشقّة «٣» .

[درجات الإيثار:]

قال ابن القيّم- رحمه الله-: الإيثار على درجات:

الأولى: أن تؤثر الخلق على نفسك فيما لا يخرم عليك دينا، ولا يقطع عليك طريقا، ولا يفسد عليك وقتا. يعني أن تقدّمهم على نفسك في مصالحهم، مثل أن تطعمهم وتجوع، وتكسوهم وتعرى، وتسقيهم وتظمأ، بحيث لا يؤدّي ذلك إلى ارتكاب إتلاف لا يجوز في الدّين. وكلّ سبب يعود عليك بصلاح قلبك ووقتك وحالك مع الله فلا تؤثر به أحدا، فإن آثرت به فإنّما تؤثر الشّيطان على الله وأنت لا تعلم.

الثّانية: إيثار رضا الله على رضا غيره وإن عظمت فيه المحن وثقلت فيه المؤن وضعف عنه الطّول والبدن وإيثار رضا الله- عزّ وجلّ- على غيره: هو أن يريد ويفعل ما فيه مرضاته، ولو أغضب الخلق وهي درجة الأنبياء. وأعلاها للرّسل عليهم صلوات الله وسلامه. وأعلاها لأولي العزم منهم وأعلاها لنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم وعليهم؛ فإنّه قاوم العالم كلّه، وتجرّد


(١) لهذه المادة معنيان آخران هما: رسم الشي ءالباقي، وذكر الشيء انظر هذين المعنيين وأمثلتهما في مقاييس اللغة لابن فارس (١/ ٥٣) .
(٢) النهاية لابن الأثير (٢٢١) ، والصحاح للجوهري (٥٧٥٢) ولسان العرب (١/ ٢٦) .
(٣) تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) (١٨/ ١٨) .